Articles by "نفحات إيمانية"
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نفحات إيمانية. إظهار كافة الرسائل

 

شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 

شَهْرُكُمْ هَذَا شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ .


 قَالَ تَعَالَى: 


إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ


 [التوبة:36] 


وَسُمِّيَتْ بِالْحُرُمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ فِيهَا الْقِتَالَ .


 قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: 


خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ بِالذِّكْرِ وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا؛ تَشْرِيفًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلِّ الزَّمَانِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، أَيْ: لَا تَظْلِمُوا فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْحُرُمِ أَنْفُسَكُمْ .


وَشَهْرُكُمْ هَذَا شَهْرٌ فَاضِلٌ، قَدْ عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَضَافَهُ لِنَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا؛ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : 


سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ شَهْرَ اللَّهِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يُضِيفُ إِلَيْهِ إِلَّا خَوَاصَّ مَخْلُوقَاتِهِ .


وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَهُ وَمَنْزِلَتَهُ: 


أَنَّ صِيَامَهُ يَلِي صَوْمَ رَمَضَانَ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ .


أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ


قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ : 


كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ: الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ مُحَرَّمٍ .


وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَيَّامِ الَّتِي جَاءَ الْحَثُّ عَلَى صِيَامِهَا:


 يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ؛ فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 


صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ .


أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ


وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، وَهُوَ يَوْمٌ نَصَرَ اللَّهْ رَسُولَهُ الْكَلِيمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمَهُ، عَلَى الطَّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، فَهُوَ يَوْمُ نَصْرٍ وَتَمْكِينٍ .


فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: 


فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


بَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّونَ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَهُمْ صِغَارٌ، فَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: 


فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ -أَيْ: مِنَ الصُّوفِ-، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ .


مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


إن لِصِيَام يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَرْتَبَتَانِ: أَفْضَلُهُمَا: صِيَامُ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 


لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ .


[أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ] 


يَعْنِي: مَعَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.


وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: 


صِيَامُ عَاشُورَاءَ فَقَطْ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَلَا يُكْرَهُ إِفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ.


وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.


وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: 


رَمَضَانُ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَاشُورَاءُ يَفُوتُ .


شَهْرُ الْحَرَامِ مُبَارَكٌ مَيْمُونُ وَالصَّوْمُ فِيهِ مُضَاعَفٌ مَسْنُونُ وَثَوَابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِـهِ فِي الْخُلْدِ عِنْدَ مَلِيْكِهِ مَخْــزُونُ .


قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : 


فَمَنْ صَامَ ذَا الْحِجَّةِ سِوَى الْأَيَّامِ الْمُحَرَّمِ صِيَامُهَا مِنْهُ، وَصَامَ الْمُحَرَّمَ، فَقَدْ خَتَمَ السَّنَةَ بِالطَّاعَةِ وَافْتَتَحَهَا بِالطَّاعَةِ، فَيُرْجَى أَنْ تُكْتَبَ لَهُ سَنَتُهُ كُلُّهَا طَاعَةً؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَوَّلُ عَمَلِهِ طَاعَةً وَآخِرُهُ طَاعَةً، فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنِ اسْتَغْرَقَ بِالطَّاعَةِ مَا بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ.


حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي نِهَايَةِ الْعَامِ لِتَعْرِفُوا رَصِيدَكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: 


حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا .


فَالْمُحَاسَبَةُ تَكْشِفُ عَنْ خَبَايَا النَّفْسِ، وَتُظْهِرُ عُيُوبَهَا، فَيَسْهُلُ عَلَيْكَ عِلَاجُهَا وَإِكْمَالُ نَقْصِهَا .


قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : 


رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟! أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟! ثُمَّ ذَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْجَمَهَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ لَهَا قَائِدًا .


هَا هُوَ الْعَامُ الْجَدِيدُ قَدْ أَقْبَلَ، فَاسْتَثْمِرُوا أَيَّامَهُ، وَاغْتَنِمُوا لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَتَزَوَّدُوا؛ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى .


اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ .




  

الهجرة النبوية حدثٌ عظيم وهجرةٌ فريدةٌ من نوعها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


الهجرة النبوية حدثٌ عظيم وهجرةٌ فريدةٌ من نوعها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الهجرة النبوية حدثٌ عظيم وهجرةٌ فريدةٌ من نوعها | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


من أروع الأمثلة في تاريخ انتصارات الخير على الشر حادث الهجرة النبوية الشريفة، تلك الهجرة إلى الله، تلك الهجرة التي كانت هجرًا للظلم والفحش والطغيان، تلك الهجرة التي أسَّست لعالَم خيريٍّ تسود فيه القيم والمثل والأخلاق، عالم تكون فيه كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.

لقد تعرَّض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لحملات إيذاء عاتية منذ أن بدأ يجهر بدعوته المباركة، لم يرُق للكُفار ما جاء به محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم من عند ربه، فأخذوا يُضيِّقون عليه ويروِّعون أتباعه ويُعذِّبون أنصاره، ويحاصرون قومه، فكيف له أن يجعل الآلهة إلها واحدًا؟


لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثًا تاريخيًّا عظيمًا، ولم تكن كأيِّ حدثٍ، فقد كانت فيصلًا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية هما:


المرحلة المكية، والمرحلة المدنية، وإذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها والقائمين بها، والمكان الذي وقعت فيه، فقد كان القائم بالحدث هو أشرف وأعظم الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أشرف مكانًا وأعظم من مكة والمدينة، وقد غيَّرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طيَّاتها معاني التضحية والصحبة، والصبر والنصر، والتوكُّل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته .


لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة لبناء دولة الإسلام، وإعزازًا لدين الله تعالى، وفاتحة خير ونصرٍ وبركة على الإسلام والمسلمين، ولذا فإن دروس الهجرة الشريفة مستمرة، لا تنتهي ولا ينقطع أثرُها، وتتوارثها الأجيالُ جيلاً بعد جيلٍ .


 لقد تركت الهجرة النبوية المباركة آثارًا جليلة على المسلمين، ليس فقط في عصر النبوة، ولكنها امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل عصر ومصر، كما أن آثارها شمِلت الإنسانية عامةً؛ لأن الحضارة الإسلامية التي قامت قدَّمت ولا زالت تقدِّم للبشرية أسمى القواعد الأخلاقية والتشريعية التي تنظِّم حياة الفرد والأسرة والمجتمع .


فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تُحَدُّ آثارها بحدود الزمان والمكان؛ لأنها سيرة القدوة الطيبة والأسوة الحسنة .


قال الله تعالى: 


﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ 


سورة الأحزاب


إن الهجرة النبوية حدثٌ عظيم، قلَبَ مجرى التاريخ، وغيَّر مساره؛ حيث انتقل المسلمون من حالة الأقلية والاستضعاف، إلى حياة العزة وبناء الدولة، وانتقل العرب من حياة الحروب والثأر والمكر، إلى مجتمع التآخي والتحابب، ومن حياة عبادة الأحجار والأوثان، إلى عبادة الله الواحد الديان .


أخرج أبو نعيم في تاريخه: 


أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتبٌ ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرِّخ بالمبعث .


و قال بعضهم: أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل، فأرِّخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا، قال بعضهم: ابدؤوا برمضان، فقال عمر: بل بالمحرم؛ فإنه منصرَف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه .


فالتأريخ بالهجرة إيذان بتشبث الأمة بتاريخها، واعتزازها بشخصيتها الإسلامية، وتميُّزها بمنهجها وحضارتها، بدل ما نراه اليوم من افتتان بعض مثقفينا بتقليد غير المسلمين، والتشبُّه بهم في تاريخهم وأعيادهم، وأزيائهم وثقافاتهم، ولو كان في التأريخ بتاريخهم خيرٌ لفعله عمر، فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية : 


جمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرَّفون به حلول الدَّين وغير ذلك، فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس، فكره ذلك، وقال قائل: أرِّخوا بتاريخ الروم، فكره ذلك ، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ تشبَّه بقومٍ، فهو منهم .


رواه أبو داود


إنها الهجرة التي انفردت عن سائر الهجرات، فلم تكن هجرته عليه الصَّلاة والسَّلام من مكَّة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة كأيِّ هجرةٍ حدثت من قبل أو ستحدث من بعد، إنَّها هجرةٌ فريدةٌ من نوعها، وهذا ما حدا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يتَّخِذَ من حادثة الهجرة النبويَّة منطلَقًا للتَّاريخ العربيِّ الهجريِّ، وحصل إجماعٌ من الصَّحابة الكرام على ذلك.


ولهذا يجب علينا الاهتمام بالتَّاريخ الهجري وعدم إهماله؛ باعتبار أنَّ حادثة الهجرة النبويَّة هي أهم وأبرز حَدَث في تاريخ الدَّعوة الإسلاميَّة. فحريٌّ بالمسلمين في كلِّ زمانٍ ومكانٍ أن يحيوا هذه الذِّكرى، وأن يتدارسوا تفاصيلَ حادثة الهجرة، وأن يستلهموا العِبَر والعِظات منها؛ فإنَّ في هجرة المختار موعظةً لنا، وفي هجرة المختار تنبيهًا.


ولقد أثنى القرآن الكريم ومدح المهاجرين والأنصار على مواقفهم الإيمانيَّة بقوله عزَّ وجلَّ في سورة الأنفال: 


﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾


 [الأنفال: 74]


كما وصف القرآن الكريم المهاجرينَ بالصَّادقين في قوله تعالى في سورة الحشر: 


﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ 


[الحشر: 8]


ووصف القرآن الكريم الأنصارَ بالمفُلحين في قوله عزَّ وجلَّ في السورة نفسها:


 ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾


[الحشر: 9]


عندما يَذكُر المسلم التاريخ الهجري، ويَخُطُّه بيمينه، ويرتبط به معتزًّا؛ فإنما يدل ذلك على وعيه وإدراكه لما يعنيه هذا التاريخ في واقع الأمر، وما يمثله بالنسبة إليه، وأثره على الإنسانية جميعًا.


فليس هذا التاريخ أرقامًا تُكْتَب، أو حُروفًا تُسطر؛ وإنما هو المجد الذي بدأ حيث بَدَأ هذا التاريخ، والنور الذي سطع مع بزوغ فَجْرِهِ، والبناء الذي شيدت أُولى لبناته مع خطوات الهجرة المُباركة، حيث قام للإسلام دولةٌ، وللإيمان قوةٌ وسط بحر الجاهلية المُدْلَهِمّ.


فمن هذه الهِجْرة المباركة بدأت خطوة أُمَّة الإسلام، وانطلقت مسيرتها إلى قيادة البشرية وهدايتها إلى الصراط المستقيم، والنور المبين بتحمُّلها الأمانة، بعد أن أفلست الأمم الأخرى، فكانت هذه الأُمَّة قائدةً لِلنَّاس، وشاهدةً عليْهِم، وكانتِ الهجرة إيذانًا بالتطبيق العملي لأحكام الإسلام على الواقع المشهود لِلنَّاس، في ظِلّ دولَتِه الرشيدة.


أخيراً :


أهنئ جميع المسلمين بالسنة الهجرية الجديدة وأدعو الله تبارك وتعالى أن تكون سنة مباركة على المسلمين، وأن يمن عليهم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.

اللهم اجعل هذا العام الهجري الجديد عام عزة ونصرة للإسلام والمسلمين .


اللهم آمين يارب العالمين.

 

يوم عاشوراء يوم عزة وتمكين | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


يوم عاشوراء يوم عزة وتمكين | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


شهر الله المحرَّم أحدُ الأشهر التي قال الله فيها: 


﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ 


[التوبة: 36]

 

والأشهر الحُرُم هى ذو القعدة، وذو الحجَّة، ومحرَّم، ورجب .


واليوم العاشر من محرَّم له شأنُه العظيم وفيه :


أن صيامه يكفر السنة الماضية : 


ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال: 


أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله .


وفيه تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم:


روى ابن عباس قال: 


ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء .


رواه البخاري


وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 


ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء .


رواه الطبراني في الكبير 


وفيه وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: 


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 


أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم .


رواه الترمذي 


أيضاً كان الصحابة رضي الله عنهم يصوّمون فيه صبيانهم تعويدًا لهم على الفضل، فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: 


من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم .


قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. 


رواه البخاري


وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: 


رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت .


ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. 


لطائف المعارف 


واليهود كانوا  يصومون هذا اليوم، فسألهم عليه الصَّلاة والسَّلام في ذلك فقالوا: 


يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى؛ فنحن نصومه .


 فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: 


نحن أحقُّ وأَوْلَى بموسى منكم .


أخرجه البخاري


وكان هذا اليوم يصومه أهل الجاهلية في جاهليَّتهم، فكان النبى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم قبل البعثة يصومه مع قريش، وصامه في المدينة، فلما افتُرِضَ عليه رمضان؛ لم يلزِم النَّاس بصومه، وخيَّرهم بين صومه وفِطْرِه لكنه صامه إلى أن لقيَ ربَّه.


أخرج ذلك البخاري ومسلم 

 

والرسول صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يُفرَض رمضان أمر الناس بصيامه، فلما فرُِضَ رمضان صار مَنْ صامه فَحَسَنٌ، ومَنْ لم يصمْهُ فلا شيءَ عليه، لكنَّه رغَّب في صيامه .


فيروى عن عبدالله بن عباس رضيَ الله عنهما أنه كان يقول: 


ما رأيتُ النبيَّ صام يومًا يتحرَّى فضله على الأيام إلاَّ هذا اليوم؛ يوم عاشوراء .


أخرجه البخاري ومسلم 


وقال أبو قَتادَة: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: 


صيام يوم عاشوراء أحتسبُ على الله أن يكفِّر سنةً ماضية .


أخرجه أحمد


ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في آخِر حياته لمَّا أُخبِرَ أنَّ اليهود والنَّصارى يصومونه قال: 


لئن عشتُ إلى قابلٍ - إن شاء الله - لأصومنَّ التَّاسع .


أخرجه مسلم


ولكنه توفِّيَ قبل أن يصومه، وقال للمسلمين: 


صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده؛ خالِفوا اليهود .


أخرجه أحمد والبزار وغيرهما 


وروي عنِ ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 


صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا .


رواه الإمام أحمد 


إن يوم عاشوراء هو يوم عزة وتمكين، يوم مغفرة وتطهير، يوم شكر وتحدث بالنعم.


ما أعظم معانيه! وما أجل عظاته!


ولا بد لنا أن نتساءل: 

لماذا هذا الاهتمام الكبير والاحتفال المهيب بيوم عاشوراء؟


نقول إن العبرة الواضحة، والهدف الجليّ لهذا الأمر أن رسول الله يريد ألاَّ تمر هذه الذكرى على أذهان المسلمين دون تدبر وفهم؛ إنه أراد لنا أن نجلس لدراسة هذا الحدث ولو مرة في كل عام؛ ذلك أن الحدث ضخم والعبرة عميقة.


لقد مرَّ على بني إسرائيل زمانٌ شعر فيه الكثيرون أن النصر بعيد، وأن الأمل يكاد يكون مفقودًا في تغيير الواقع، وأن فرعون سيظل جاثمًا على أنفاس شعبه أبد الدهر، وأن الجنود الظالمين سيظلون في أماكنهم مهما حاول الضعفاء من بني إسرائيل.

ثم ماذا حدث؟

إننا رأينا فرعون يقود جيشه في غرور وكبر ليقتحم البحر بعد أن رأى معجزة انشقاقه، فيهلك ويهلك معه جنده وأعوانه في لحظة واحدة، رأينا هذا الحدث وفهمنا أن الله قادر على كل شيء، وأدركنا بوضوح أن الظالمين لا بد لهم من رحيل، وأنه مهما طالت فترات حكمهم وطغيانهم فإنهم إلى زوال.


إن هذا ما كان يريد رسولنا الأكرم والأعظم أن نتذكره.

نتذكر أن يوم عاشوراء يومٌ صالح، فيه رُفع الظلم، وفيه نُصر الإيمان، وفيه ظهرت قدرة رب العالمين. 


إن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجَّا الله فيه موسى في البحر وأغرق فيه فرعون في البحر، ليبقى هذا اليوم يوما تاريخيًّا عظيمًا لا يُنسى أبدًا .


هو يوم فاصِل، وموقف حاسِم، ومصير لازم قادم، يوم الخلاص من البَطش والقَتل، يوم الانتهاء من الجور والظُّلم، يوم العاشر من المحرَّم كَتب الله النجاةَ لنبيِّ الله موسى عليه السلام، الدَّاعي إلى الله وأحد أولياء الله، من أولي العَزم من الرُّسل، وهلاكَ فرعون أكبر أعداء الله من الطُّغاة .


فهو يوم عظيم من أيام الله سبحانه وتعالى، أرسى الله فيه دعائم الحق والنصر العظيم على فرعون وقومه ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ سورة آل عمران


نسأل الله أن يرزقنا يومًا عظيمًا كهذا اليوم تُرفع فيه رايات العزة والمجد للمؤمنين من أبناء هذه الأمة الكريمة.





 

الاستطاعة شرط لوجوب الحج | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش


الاستطاعة شرط لوجوب الحج | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش
الاستطاعة شرط لوجوب الحج | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش 

 

من توافر فيه شرط الاستطاعة في الحج من القدرة المالية والبدنية وأمن الطريق، فقد وجب عليه الحج، إلا أن هذا الوجوب ليس على الفور بل على التراخي على الراجح من أقوال أهل العلم، وإن كان الأولى تعجيله إبراء للذمة، و تفاديا لما قد يعترض الإنسان بعد ذلك من أسباب تنقض الاستطاعة، ولا يأثم المسلم بتأخير الحج فقد فرض الحج في السنة السادسة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم  إلا في السنة العاشرة من الهجرة ولو كان واجبا على الفور لما أخره النبي صل الله عليه وسلم بدون عذر، ومن اخر الحج ثم فقد بعد ذلك شرط الاستطاعة مادية كانت أو بدنية لا يأثم بالتأخير ولا يجب عليه الحج، وإذا كان مستطيعا ماديا يمكنه أن ينيب أو يؤجر من ماله من يقوم بالحج عنه شريطة أن يكون النائب حج عن نفسه قبل ذلك ، ومن لم يستطع ماديا ولا بدنيا  فله في سنة المصطفى صل الله عليه وسلم فسحة فإذا صلى الفجر في جماعة وجلس يذكر الله تعالى إلى أن طلعت عليه الشمس ثم صلى ركعتين فهما بمثابة حجة تامة تامة وعمرة تامة تامه.

اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام وزيارة خير الأنام. اللهم آمين يارب العالمين أجمعين



 

الحج رحلة إيمانية | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


 

الحج رحلة إيمانية | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الحج رحلة إيمانية | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف



يقول الله تعالى في محكم آياته : 


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ


البقرة 197


الحج رحلة إيمانية وتربية روحية وفيه تجسيد عملي للعبودية لله رب البرية ، والتخلق بأخلاق الإسلام السامية وتطهير للنفس من الذنوب والخطايا والآثام ، ليعود المسلم منها بنفس سوية وروح تقية نقية .


والحج فريضة على كل مسلم وركن من أركان الإسلام الخمسة فرضه الله سبحانه وتعالى مرة واحدة في العمر على كل مسلم رجلاً كان أو امرأة إذا كان مستطيعًا في بدنه وماله على أداء مناسك الحج ونفقاته يقول الله تعالى : 


وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا 


 آل عمران 97


ولكي يفوز المسلم بالحج المبرور يجب أن تكون نفقاته من مال حلال ، لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً .


ففي صحيح مسلم : 


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :


أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا .


والحج رحلة تهفو إليها قلوب المسلمين وتهيم شوقاً إليها نفوس المحبين المخلصين فيأتون من كل فج عميق ليجسدوا معنى الوحدانية لله رب العالمين ويذكروا اسم الله في أيام معدودات منيبين إليه خاشعين لعظمته تاركين الدنيا بكل ما فيها وراء ظهورهم مقبلين على الآخرة بقلوبهم ،وأرواحهم ،وأجسادهم، حامدين الله تعالى شاكرين لأنعمه ، أن وفقهم لأداء هذه الفريضة العظيمة .


والحج فيه من الدروس والعبر الكثير والكثير ؛ فهو يغرس في نفس المسلم مكارم الأخلاق وعظائم الخصال وطهارة القلب والمسارعة إلى الخيرات والكف عن الجدال العقيم الذي لا طائل من ورائه .


قال الله تعالى : 


فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ 


البقرة 197


وفي الحج تعظيم لحرمات الله واستشعار لعظمته في كل لحظة .


قال الله تعالى :  


وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ 


الحج 30


وقال الله تعالى : 


وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ


 الحج 32


أما يوم عرفة فهو من أعظم أيام الله وهو الركن الأعظم من أركان الحج والتي بدونها لا يصح الحج .


ففي سنن الترمذي : 


أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى الْحَجُّ عَرَفَةُ .  


وفي هذا اليوم تنزل الرحمات والبركات وتقبل فيه الطاعات والدعوات وهو يوم يعتق الله فيه رقاب عباده المؤمنين .


ففي صحيح مسلم : 


إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :


مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ .


وهناك مكاسب عظيمة يعود بها الحاج من هذه الرحلة الإيمانية المباركة ومن أعظم هذه المكاسب أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بدخول الجنة .


ففي الصحيحين :

يقول صلى الله عليه وسلم : 


وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ .


وأما المكسب الثاني فجسده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : 


مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .


رواه البخاري 


أي أن الحاج يعود من حجه وقد غفر الله له ما تقدم من ذنوبه .


ومن المنافع التي يجنيها الحاج أيضاً : 


الالتقاء بهذه الأعداد الغفيرة من الحجيج على اختلاف أوطانهم وألوانهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وهنا يستشعر المسلم المعنى الحقيقي للألفة والمودة والأخوة فالكل جاءوا بلباس واحد ووقفوا على صعيد واحد وهدفهم واحد وهو الفوز بالحج المبرور .


ومن المكاسب العظيمة أيضاً لهذه الرحلة الإيمانية والتربوية : 


شعور المسلم بالاعتزاز لانتمائه لدين الإسلام ، فحينما يرى هذه الملايين ، من الذين جاءوا من كل حدب وصوب ، ليجتمعوا في هذا المكان المبارك على قول : 


« لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَك » .


وهذا المظهر العظيم الذي لا يمكن أن نجده في غير أمة الإسلام وهنا يحق لكل حاج أن يفخر بانتمائه لهذا الدين العظيم ، ولهذه الأمة المباركة .


فعلى كل مسلم وفقه الله إلى الحج أن يسعى جاهداً إلى الاستفادة من هذه الرحلة المباركة ، حتى يُقبل حجه ويفوز برضا الله سبحانه وتعالى ، كذلك عليه بعد عودته من الحج أن يبدل سلوكه إلى الأحسن وأن تستقيم حاله على طاعة الله .

فهذه من علامات الحج المبرور .


قال بعض السلف : 


علامة بر الحج : 


أن يزداد بعده خيرًا ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه .


وقال الحسن البصري رحمه الله : 


الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة .

رزقنى الله وإياكم حج بيته الحرام والصلاة في مسجد النبى العدنان عليه افضل الصلاة والسلام.

اللهم آمين يارب العالمين




 

مختصر أحكام الأضحيَّة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


مختصر أحكام الأضحيَّة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
مختصر أحكام الأضحيَّة | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


الأضحية هي كل ما يذبحه المسلم من الإبل، والبقر، والغنم يوم النحر، أي يوم عيد الأضحى المبارك وما يليه من أيام التشريق الثلاثة .


والأضحية من شعائر الله العظيمة التي يحرص المسلمون على أدائها لعظيم فضلها عند الله تعالى، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 


ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحبّ إلى الله تعالى من إراقة الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً .


 رواه الترمذي


وفي موسم الأضحية تكثر أسئلة الناس عن أحكامها وشروطها ، والأصل في المسلم أن يسأل عما يريد أن يؤديه من طاعة قبل أن يقدم عليها لتقع على الوجه الأكمل، وينال الأجر والثواب، وفيما يلي شُروطُ الأُضحِيَّة سائلين الله تعالى أن ينفعنا بها والقارئين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


شُروطُ الأُضحِيَّة سِتَّةٌ 


#وَالشَّرطُ الأَوَّلُ مِن شُروطِ الأُضحِيَّة : 


#أَنْ تَكُونَ مِن بَهِيمَةِ الأَنعَام وَهِيَ الإِبِلُ وَالبَقرُ وَالغَنمُ ضَأنِهَا وَمعزِهَا .


لِقَولِهِ تَعَالَى : 


{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} 


[الحج: 34]


#وَالشَّرطُ الثَّانِي مِن شُروطِ الأُضحِيَّة: 


أَنْ تَبلُغَ الأُضحِيَّةُ السِّنَّ المَحدُودَ شَرعًا بِأَنْ تَكُونَ جَذعَةً مِنَ الضَّأنِ أَوْ ثَنِيَّةً مِن غَيرِ الضَّأنِ .


وَقَد أَخرَجَ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِن طَرِيقِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : 


لَا تَذبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً وَهِيَ الثَّنِيَّةُ فَمَا فَوقَهَا إِلَّا أَنْ تَعسُرَ عَلَيكُم فَتَذبَحُوا جَذعَةً مِنَ الضَّأنِ .


وَالجَذَعُ مِنَ الضَّأنِ : مَا تَمَّ سِتَّةُ أَشهُر .


وَالثَّنِيُّ مِنَ الإِبِلِ : مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِين .


وَالثَّنِيُّ مِنَ البَقرِ : مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَان .


وَالثَّنِيُّ مِنَ الغَنَمِ : مَا تَمَّ لَهُ سَنَة .


فَلَا تَصِحُّ الأُضحِيَّةُ بمَا دُونَ الثَّنِيِّ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقرِ وَالغَنمِ وَلَا بمَا دُونَ الجَذَعِ مِنَ الضَّأنِ .


#الشَّرطُ الثَّالِثُ مِن شُروطِ الأُضحِيَّة : 


أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ العِيوبِ المَانِعَةِ مِن الإِجزَاءِ وَهِيَ : العَوَرُ البَيِّنُ ، وَالمَرَضُ البَيِّنُ ، وَالعَرَجُ البَيِّنُ ، وَالهُزَالُ المُذِيبُ لِلمُخِّ , وَمَا فَوقَ ذَلِكَ مِنَ العِيُوبِ مِن بَابِ أَوْلَى .


#الشَّرطُ الرَّابِعُ مِن شُروطِ الأُضحِيَّة : 


أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِلمُضَحِّي أَوْ مَأذُونًا لَهُ فِيهَا مِن قِبَلِ الشَّرعِ أَوْ مِن قِبَلِ المَالِكِ .


فَتَصِحُّ تَضحِيَةُ وَلِيِّ اليَتِيمِ لَهُ مِن مَالِهِ إِذَا جَرَت العَادَةُ بِهِ وَكَانَ يَنكَسِرُ قَلبُهُ بِعَدَمِ الأُضحِيَّة ، وَتَصِحُّ تَضحِيَةُ الوَكِيلِ عَن مُوكِّلِهِ بِإِذنِهِ .


#الشَّرطُ الخَامِسُ مِن شُروطِ الأُضحِيَّة : 


أَلَّا يَتَعَلَّقَ بهَا حَقٌّ لِغَيرِهِ فَلَا تَصِحُّ التَّضحِيَةُ بِالمَرهُونِ .


#وَالشَّرطُ السَّادِسُ : 


أَنْ تَقَعَ فِي الوَقتِ المَحدُودِ شَرعًا وَهُوَ مِن بَعدِ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ النَّحرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمسِ مِن آخِرِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ وَهُوَ اليَّومُ الثَّالِثَ عَشَر مِن ذِي الحِجَّة .


فَمَن ذَبَحَ قَبلَ الفَراغِ مِن صَلَاةِ العَيدِ أَوْ بَعدَ غُرُوبِ الشَّمسِ يَومِ الثَّالِثَ عَشَر لَمْ تَصِحَّ أُضحِيَّتُه .


وَيَجُوزُ ذَبحُ الأُضحِيَّةِ فِي الوَقتِ المَحدُودِ شَرعًا لَيلًا أَوْ نَهَارًا ؛ وَالذَّبحُ نَهَارًا أَوْلَى ، وَيَومُ العِيدِ بَعدَ الخُطبَتين أَفضَل ، وَكُلُّ يَومٍ أَفضَلُ مِمَّا يَلِيهِ لمَا فِيهِ مِنَ المُبَادَرَةِ إِلَى فِعلِ الخَيرِ .


#وَالأَفضَلُ مِنَ الأَضَاحِي مِن حَيثُ الجِنسُ : 


الإِبِل ثُمَّ البَقَر إِنْ ضَحَّى بِهَا كَامِلَةً ثُمَّ الضَأن ثُمَّ المَعزِ ثُمَّ سُبعُ البَدَنَةِ ثُمَّ سُبعُ البَقَرَةِ .


#وَالأَفضَلُ مِنَ الأَضَاحِي مِن حَيثُ الصِّفَةُ : 


الأَسمَنُ الأَكثَرُ لَحمًا الأَكمَلُ خِلقَةً الأَحسَنُ مَنظَرًا .


#وَيُكرَهُ_مِنَ_الأَضَاحِي


#العَضبَاءُ : 


وَهِيَ مَا قُطِعَ مِن أُذُنِهَا أَوْ قَرنِهَا النِّصفُ فَأَكثَر .


#وَالمُقَابَلَةُ  


وَهِيَ التِي شُقَّت أُذُنُهَا عَرضًا مِنَ الأَمَامِ .


#وَالمُدَابَرَةُ 


وَهِيَ التِي شُقَّت أُذُنُهَا عَرضًا مِنَ الخَلفِ .


#وَالشَّرقَاءُ 


وَهِيَ التِي شُقَّت أُذُنُهَا طُولًا .


#وَالخَرقَاءُ 


وَهِيَ التِي خُرِقَت أُذُنُهَا .


#وَالمُصفَرَةُ


وَهِيَ التِي قُطِعَت أُذُنُهَا حَتَّى ظَهَر صِمَاخُهَا .


وَقِيلَ هِيَ :


المَهذُولَةُ إِذَا لَمْ تَصِل إِلَى حَدٍّ تَفقِدُ فِيهِ مُخَّ عِظَامِهَا .


#وَالمُستَأصَلَةُ


وَهِيَ التِي ذَهَبَ قَرنُهَا كُلُّهُ .


#وَالبَخقَاءُ


وَهِيَ التِي بُخِقَت عَينُهَا فَذَهَبَ بَصَرُهَا وَبَقِيَت العَينُ بِحَالِهَا .


#وَمِمَّا_يُكرَهُ_مِنَ_الأَضَاحِي


#المُشَيَّعَةُ  


وَهِيَ التِي لَا تَتبَعُ الغَنَمَ إِلَّا بِمَن يُشَيِّعُهَا فَيَسُوقُهَا لِتَلحَق .


#وَيَلحَقُ بِالمَكرُوهَاتِ مِنَ الأَضَاحِي:


#البَترَاءُ


وَهِيَ التِي قُطِعَ نِصفُ أُذُنِهَا فَأَكثَر وَمَا قُطِعَ مِن إِليَتِهِ أَقَلُّ مِنَ النِّصفِ ، فَإِنْ قُطِعَ النِّصفُ فَأَكثَرُ فَجُمهُورُ أَهلُ العِلمِ علَى عَدَمِ الإِجزَاءِ وَأَمَّا مَفقُودَةُ الإِليَةِ بِأَصلِ الخِلقَةِ فَلَا بَأسَ بِهَا .


#وَتُجزِئُ الأُضحِيَّةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ عَن الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ .


فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ بِالوَاحِدَةِ مِنَ الغَنَمِ الضَّأنِ أَوْ المَعزِ عَنهُ أَوْ عَن أَهلِ بَيتِهِ أَجزَأَ عَن كُلِّ مَن نَوَاهُ مِن أَهلِ بَيتِهِ مِن حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ .


وَإِنْ ضَحَّى عَن نَفسِهِ وَعَن أَهلِهِ مِن غَيرِ نِيَّةٍ دَخَلَ فِي أَهلِهِ كُلُّ مَن يَصدُقُ عَلَيهِ الوَصفُ شَرعًا وَعُرفًا وَلُغَةً .


#وَيُجزِئُ سُبُعُ البَعِيرِ أَوْ سُبُعُ البَقَرَةِ عَمَّا تُجزِئُ عَنهُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ .


فَلَوْ ضَحَّى الرَّجُلُ بِسُبُعِ بَعيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنهُ وَعَن أَهلِ بَيتِهِ أَجزَأَهُ ذَلِكَ ، وَلَا تُجزِءأُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ عَن شَخصَينِ فَأَكثَر يَشتَرِيَانِهَا فَيُضَحِّيَانِ بِهَا .


كمَا لَا يُجزِئُ أَنْ يَشتَرِكَ ثَمَانِيَةٌ فَأَكثَرَ فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالعِبَادَاتُ تَوقِيفِيَّةٌ وَلَا يُتَعَدَّى الوَارِدُ كَمًّا وَلَا كَيفًا .


تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال والخيرات.




 

مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 


قَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ فَقَالَ ﷺ : 


إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ .


أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ 


فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الْخُلُقِ غَايَةَ الْغَايَاتِ فِي سَعْيِ الْعَبْدِ لِاسْتِكْمَالِ الصِّفَاتِ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّوْحِيدِ الْمَكِين وَثَابِتِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ .


وَقَدْ كَانَ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ وَفَوْقَ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَهَى فَكَانَ كَمَا قَالَ عَنْهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ : 


{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}


 [القلم: 4]


وَهُوَ ﷺ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ يَدْعُو رَبَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ : 


اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئِهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ .


 رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ


يَطْلُبُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ لِصَوَابِ الْأَخْلَاقِ،

 وَيُوَفِّقَهُ لِلتَّخَلُّقِ بِهِ ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ قَبِيحَ الْأَخْلَاقِ وَمَذْمُومَ الصِّفَاتِ وَيُبْعِدَ ذَلِكَ عَنْهُ ، مَعَ أَنَّهُ ﷺ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَمَعَ أَنَّ خُلَقَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ .


أَخْبَرَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ : 


قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .


قَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟


قُلْتُ : بَلَى .


قَالَتْ : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنُ .


رَوَاهُ مُسْلِمٌ


وَمَعْنَى أَنَّ خُلُقَهُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ ، وَيَعْتَبِرُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَيَتَدَّبَرُهُ وَيُحْسِنُ تِلَاوَتَهُ .


وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْهِدَايَةَ لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ،

 وَيَسْتَعِيذُ مِنْ سَيِّئِهَا فَكَيْفَ يَصْنَعُ غيره .


وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى حُسْنِ الْخُلُقِ كَحَاجَتِهِ إِلَى الْهَوَاءِ بَلْ أَشَدُّ لِأَنَّ فَقْدَ الْهَوَاءِ يَعْنِي مَوْتَ الْبَدَنِ ، وَفَقْدَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ يَعْنِي مَوْتَ الْقَلْبِ وَفِي مَوْتِ الْقَلْبِ فَقْدُ الدِّينِ ، وَهَلَاكُ الْأَبَدِ .


وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَكْمَلَ النَّاسِ خُلُقًا وَأَحْسَنَهُم أَخْلَاقًا كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْحُبِّ وَالْقُربِ مِنْهُ مَنْ بَلَغَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ مَبْلَغًا مَرْضِيًّا وَتَسَنَّمَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ مَكَانًا عَلِيًّا .


عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :


أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : 


مِن أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَوْمَ الْقِيامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ ، وَأَبعَدَكُمْ مِنِّي مَجلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيهِقُونَ .


قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّٰهِ قَدْ عَلِمنَا الثَّرثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيهِقُونَ ؟


قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ .


 رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 


وَذَمَّ الْإِسْلَامُ أَصْحَابَ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ فَلَمَّا كَانَ خَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ كَانَ شَرُّ النَّاسِ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي سُوءِ الْخُلُقِ .


فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : 


قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : 


يَا عَائِشَةُ إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ 

اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .


 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


وَالْفَاحِشُ الْبَذِيءُ مَبْغُوضٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .


فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : 


قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : 


إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كلَّ فاحشٍ مُتَفَحِّشٍ .


رَوَاهُ أَحْمَد


وَالْفَاحِشُ : ذُو الْفُحْشِ فِي كَلَامِهِ وَفَعَالِهِ .


وَالْمُتَفَحِّشُ : الَّذِي يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدُهُ .


وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : 


مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا .


فِي الصَّفْحِ وَالْعَفُوِ وَالْحِلْمِ مِنَ الْحَلَاوَةِ وَالطُّمْأَنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ مَا لَيْسَ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالِانْتِقَامِ .


وَالْمُرُوءَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى : 


{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 


[الأعراف: 199]


فَإِحْسَانُ التَّعَامُلِ مَعَ الْخَلْقِ هُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ الرَّبِّ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَكْرَمِ ﷺ : 


وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ


خَالِقْ النَّاسَ يَعْنِي : فَلْتَكُنْ أَخْلَاقُكَ الْمَبْذُولَةُ إِلَيْهُمْ حَسَنَةً .


فَهُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ .


وَيَجْعَلُهُ النَّبِيُّ ﷺ مُؤَدِّيًا إِلَى مَبْلَغٍ لَا يُرْتَقَى مُرْتَقَاهُ إِلَّا بِشِقِّ النَّفْسِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِز.


« إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » .


الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ :


عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يُخْلِصَ للهِ تَعَالَى فِي قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى النَّفَقَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي لَا حُرْمَةَ فِيهَا وَلَا شُبْهَةَ ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا .


وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ :


الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَقَدْ غُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟


وَلْيَحْرِصْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرِيمِ الْخِصَالِ وَلْيُعَوِّدْ نَفْسَهُ الصَّبْرَ وَالِاحْتِمَالَ لِأَنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .


وَلْيَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَلْيُؤَدِّ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى أَلَّا يَصْحَبَ إِلَّا مُؤْمِنًا لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ : 


لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ . 


أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ


وَلْيَكْتُبْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ وَليُوصِ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ .


فَالْحَجُّ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ، فَهُوَ مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ دِينُ الْعَبْدِ إِلَّا بِهَا .


وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَادَةُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّقَرُّبُ بِهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَلَا تَكُونُ مَقْبُولَةً لَدَيْهِ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ :


أَحَدِهِمَا :


الْإِخْلَاصُ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْعِبَادَةِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ لَا يَقْصِدُ بِالْعِبَادَةِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً .


وَالثَّانِي : 


اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعِبَادَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا .


وَالِاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ بِمَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الِاتِّبَاعِ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ ؛ لِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ الِاتِّبَاعِ أَنْ يَتَعَلَّمَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ بِأَنْ يَتَلَقَّاهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا إِمَّا بِطَرِيقِ الْمُكَاتَبَةِ وَإمَّا بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ .


وَكَانَ مِنْ وَاجِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ وَرِثُوا النَّبِيَّ ﷺ، وَخَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ ؛ أَنْ يُطَبِّقُوا عِبَادَاتِهِمْ وَأَخْلَاقَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ عَلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ وَأَنْ يُبَلِّغُوا ذَلِكَ إِلَى أُمَّتِهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ؛ لِيَتَحَقَّقَ لَهُمْ مِيرَاثُ النَّبِيِّ ﷺ عِلْمًا وَعَمَلًا ، وَتَبْلِيغًا وَدَعْوَةً ، وَلِيَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الرَّابِحِينَ إِنْ أَرَادُوا الرِّبْحَ حَقًّا .


لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُفْلِحًا إِلَّا إِذَا آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الْفَلَاحُ وَالنَّجَاحُ دُنْيَا وَآخِرَةً .


يَنْبَغِي لِمَنْ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ؛ لِتَكُونَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَنَفَقَاتُهُ مُقَرِّبَةً لَهُ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَـإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .


وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ كَالْكَرَمِ وَالسَّمَاحَةِ وَالشَّهَامَةِ وَالِانْبِسَاطِ إِلَى رُفْقَتِهِ وَإِعَانَتِهِمْ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى قِيَامِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ .


خُلُقُ التَّوَاضُعِ فِي الْحَجِّ


 وَالنَّبِيُّ ﷺ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ :


فَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلتَّوَاضُعِ شَاخِصًا مِثَالًا لِلْبُعْدِ عَنِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ مَاثِلًا وَقَائِمًا صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ .


وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : 


«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»


فَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ .


كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلْعَبْدِ الْقَانِتِ الْمُنِيبِ : 


« لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ﷺ ».


فَحَقَّقَ الْعُبُودِيَّةَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سُلُوكًا وَتَطْبِيقًا وَعَمَلًا وَكَانَ للهِ مُتَوَاضِعًا .


نَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ، نَحَرَهَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُنِيبَ وَأَنْ يُوَكِّلَ وَلَكِنْ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ .


#قَالَ_الْعُلَمَاءُ


كَأَنَّمَا كَانَتْ إِشَارَةً إِلَى عُمُرِهِ الشَّرِيفِ إِذْ عَاشَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ عَامًا ﷺ ، وَوَكَّلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في نَحْرِ تَمَامِ الْمِئَةِ ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ هَدْيِهِ كَمَا يَأْكُلُ الْحَجِيجُ مُتَوَاضِعًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .


خُطُورَةُ الْمَعَاصِي وَالْمُخَاصَمَةِ فِي الْحَجِّ 


قَالَ تَعَالَى : 


{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 


[الحج: 25]


وَمَنْ يُرِدْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَيْلَ عَنِ الْحَقِّ ظُلْمًا وَيَعْصِي اللهَ فِيهِ ؛ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ مُوجِعٍ فِي الْآخِرَةِ .


وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ فِي الْحَرَمِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ فِيهِ ، وَأَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فِي الْحَرَمِ مُؤَاخَذٌ عَلَيْهِ .


وَقَالَ تَعَالَى : 


{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 


[البقرة: 197]


وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهَرٌ مَعْلُومَاتٌ وَهِيَ : 


شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ .


لِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ تُسْتَوْفَى فِيهَا وَتُؤْخَذُ الْأُهْبَةُ لَهُ فِيهَا وَيُحْرَمُ بِهِ أَيْ : بِالْحَجِّ فِيهَا فَمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا فِي الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ الْحَجَّ بِالْإِحْرَامِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَعَاصِي وَالْمِرَاءُ وَالْمُخَاصَمَةُ .


فَإِذَا كُنْتُمْ قَدْ تَنَزَّهَتُمْ فِي حَجِّكُمْ عَنْ كُلِّ شَرٍّ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ اجْتَمَعْتُمْ لِعَمَلِ الْخَيْرِ ، فَتَنَافَسُوا فِيهِ وَتَبَادَلُوا النَّفْعَ وَاعْمَلُوا عَلَى مَا يُقَوِّي جَمْعَكُمْ وَيُزِيلُ الضُّرَّ عَنْكُمْ ، وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ كَيْدَ الْكَائِدِينَ .


وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَهُوَ الَّذِي يُثِيبُكُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتَزَوَّدُوا بِالتَّقْوَى لِمَعَادِكُمْ عِنْدَمَا تَرْحَلُونَ عَنِ الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ زَادٍ يَتَزَوَّدُ الْإِنْسَانُ بِهِ إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ هُوَ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى  بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي الْجَنَّةِ .


وَخَافُوا عِقَابِي وَالْتَزِمُوا بِشَرِيعَتِي وَاشْتَغِلُوا بِعِبَادَتِي يَا ذَوِي الْعُقُولِ الْوَاعِيَةِ الدَّرَّاكَةِ الَّتِي تَعْقِلُ الْمَعَارِفَ فَتُمْسِكُ بِهَا ، وَتَعْقِلُ النُّفُوسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ .


نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَحْمِلَنَا إِلَى بَلَدِهِ الْحَرَامِ وَبَيْتِهِ الْحَرَامِ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِينَ وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا أَجْمَعِينَ إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .


اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَجْمَعِينَ .


اللَّهُمَّ ومُنَّ عَلَيْنَا بِزِيَارَةِ مَسْجِدِ نَبِيِّنَا ﷺ ، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ تَقْبِضَنَا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ،

 وَبِالدَّفْنِ فِي الْبَقِيعِ فَإِنَّا نَطْمَعُ فِي رَحْمَتِكَ وَنَرْجُو بِرَّكَ وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ .




 

حكم  شراء الأضحية من مال الزكاة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش


حكم  شراء الأضحية من مال الزكاة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش
حكم  شراء الأضحية من مال الزكاة | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش

 

أولا : زكاة المال واجبة شرعاُ إذا بلغ نصاباُ وحال عليه الحول وكان فائضا عن حاجة المزكي وحاجة من يعول ، و الأضحية في قول جمهور أهل العلم سنة مؤكدة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها 

ثانيا  : للزكاة مصارف شرعية محددة بالنص القطعي من كتاب الله تعالى ، حيث أنها تؤخذ من مال أغنياء المسلمين وتُعطى لفقرائهم : قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا .... } [التوبة/103]. (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [التوبة:60]. أما الأضحية فليس في توزيعها طريقة محددة شرعا ، فيجوز للمضحي أن يأكلها كلها ، لأن المقصد الأصلي منها هو إراقة دم لله تعالى في يوم الأضحى وأيام التشريق الثلاثة ، ويجوز له أن يوزع جزءً منها على أقاربه من باب الصلة والتراحم حتى وإن كانوا قادرين وله أجرين أجر الصدقة وأجر الصلة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ) صحيح ابن ماجة ، ويستحب إخراج جزء منها للمحتاجين والفقراء ، قال تعالى : (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج 28 ، كما يجوز إعطاء أهل الكتاب منها خاصة إذا كانوا جيران للمضحي ، وهذا من باب القسط والبر إليهم المأمور بهما شرعا ، والأولى في تقسيمها أن تُقسم اثلاثاُ ثلثا للمضحي وثلثا لأقاربه ، وثلثا للمحتاجين .

ثالثا : يأثم المسلم إذا ترك إخراج الزكاة لمستحقيها بعد وجوبها ، ولا يأثم بترك الأضحية .

رابعاً : لا يجوز للمضحي أن يشتري بجزء من مال الزكاة اُضحية ؛ لأن مال الزكاة حق للفقراء والمساكين ، وليس له ولاية على هذا المال لأنه ملك لغيره ، فلا يتصرف فيه نيابة عنهم ، فهو غير مالك أو وكيل في المال .

خامساً : أما إذا أراد المسلم أن يشتري بجزء من مال الزكاة اًضحية ويوزعها كلها على الفقراء والمساكين في صورة لحم فليس فيه حرج ، فهو من باب إخراج القيمة في الزكاة وقد أجازها كثير من أهل العلم ، كما أنه لا يوجد دليل صريح أو قياس معتبر يمنع ذلك فنعود للأصل وهو الإباحة .

سادساً : مع التسليم بجواز شراء أضحية من مال الزكاة وصرفها في مصارف الزكاة الشرعية إلا أن الأولى إخراج الزكاة مالا ؛ تحقيقاُ للمصلحة ؛ لأنه أيسر للمزكي وأنفع للفقير ، حيث أنه يقدر أولوياته ويصرف المال وفق احتياجاته ورغبته ، فقد تكون حاجته للمال أكثر من حاجته للحم  ، كما أنه من اليسير عليه أن يشتري لحماً بالمال ، ومن المشقة أن يحصل على المال ببيع اللحم ، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله تعالى  . والله تعالى أعلى وأعلم .




 

أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْر | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف


أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْر | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْر | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف 



 


اللَّهَ عَزَّ وجل أقسم بهذه العشر فقال تعالى : 


﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾  سورة الفجر


وسَمَّاها الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ فَقَالَ تَعَالَى: 


﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ 


سورة الحج


قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ.


وَالرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لَهذه الأيام بِأَنَّها أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا فقال : 


أفضل أيام الدنيا أيام العشر .


والعشر الأولى من ذي الحجة لها فضل عظيم وأجر كبير ودليل ذلك من السنة ما رواه البخاري وغيره عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:

 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: 


مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ؛ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ 

قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .


وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: 


أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ 

قَالَ: ولَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ .


أخرجه البزار كما في كشف الأستار


يقول ابن الجوزي في التبصرة :


قال أبو عثمان النَّهْدِيُّ : كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ : 


الْعَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالْعَشْرَ الأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْعَشْرَ الأُوَلَ مِنَ الْمُحَرَّمِ .


وعند أبى داود في سننه عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : 


كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ .


وايام العشر لها أفضليةً خاصة عند المسلمين لأن بها موسم عظِيم وهو موسم الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام .


عن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: 


تابعوا بین الحج والعمرة فإنهما ینفیان الفقر والذنوب كما ینفي الكیر خبث الحدید والذهب والفضة، ولیس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة .


رواه الترمذي والنسائي


وشهر ذى الحجة في الإسلام له فضل عظيم حيث أنه يتيح للمسلمين فرصة أداء فريضة الحج ويحثهم على صيام العشر الأوائل


وهذا الشهر يجعل المسلم قريب من الله سبحانه وتعالى ويجلب له الخير والثواب والبركة .

 

والعشر الأول من ذي الحجة من مواسم الطّاعة العظيمة التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام ، بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذى قال فيه : 


ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه .


يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ .


رزقنى الله وإياكم حج بيته الحرام والصلاة في مسجد النبى العدنان عليه افضل الصلاة والسلام.




 

حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش


حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش
حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش


أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة –جامعة الأزهر ، وعضو محكم في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين بالجامعة 

صورة المسألة : 

بعض الناس يعاني من مشكلة عدم الاحتفاظ بالطهارة بعد الوضوء فترة طويلة ، وقد يكون من أثر علة وجود مرض سلس الريح ، وقد لا يكون مرضاً ، والمشكلة تأتي عند أداء فريضة الطواف في الحج أو العمرة ، فإذا توضأ الحاج أو المعتمر وبدأ الطواف ، وفي أثناء آداء الأشواط السبعة خرج منه ريح ، هل ينتقض وضوءه أم لا ؟ ، وإذا انتقض وضوءه هل يجب عليه بعد إعادة الوضوء إعادة الطواف من أول شوط ، أم يبني على ماسبق قبل الحدث ؟  أقول : حتى تصبح المسألة سهلة وميسرة أقسم صاحب الحدث إلى قسمين :  الأول : مريض بسلس الريح ، ويعرف الإنسان أنه مريض بسلس الريح إذا كان لا يحتفظ بوضوءه قدر الطهارة وآداء الصلاة المفروضة في الوقت، أي يستمر الحدث طوال وقت الصلاة ، فمن كان كذلك فليس عليه إلا الوضوء قبل الشروع في الطواف ، فإن خرج منه ريح أثناء الطواف فلا يلتفت إليه ويكمل باقي الأشواط السبعة قياساً على المستحاضة التي تتوضأ فقط لوقت كل صلاة على الر اجح  . الثاني : من يعاني من عدم الاحتفاظ بطهارته فترة طويلة لكنه غير مصاب بسلس ريح فهذا اتفق العلماء على بطلان الوضوء بخروج الحدث منه، ولكن هل يكمل بعد الوضوء باقي الأشواط أم يبدأ الطواف من جديد ؟ هذه الحالة للعلماء فيها اتجاهات :  الأول : يقول : يجب عليه إعادة الوضوء ثم يبدأ الأشواط من جديد وهذا قول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد ، لأن الطواف عندهم صلاة فيبطل بما تبطل به الصلاة ، والوضوء شرط من شروط صحة الصلاة . ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خذوا عني مناسككم) أخرجه مسلم . الثاني : يقول إذا كان الحاج أو المعتمر طاف غالب الطواف أي أربعة أشواط من سبعة ، أو خمسة ، أو ستة ، وانتقض وضوءه ، يخرج ويتوضأ ثم يبني على مافات أي يأتي بالباقي من الطواف ، وإن كان طاف أقل الطواف أي طاف شوط أو اثنين أو ثلاث ثم أحدث ، يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعيد الطواف من أوله، وهذا إحدى الروايتين عند الحنفية .  الثالث :  وهو الرواية الثانية للحنفية قالوا بعد اشتراط الوضوء لصحة الطواف ، وحجتهم أن القول باشتراط الطهارة للطواف، يلزم منه نسخ مطلق نص الكتاب لأن المأمور به بالنص هو الطواف فقط دون الإشارة إلى اشتراط الطهارة ، قال الله تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وهو اسم للدوران حول البيت، وذلك يتحقق من المحدث والطاهر، واشتراط الطهارة فيه زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس. وهذا الرأي أيضاً هو اختيار ابن تيمية حيث قال لا يشترط الوضوء في صحة الطواف ، فمن انتقض وضوءه أثناء الطواف يكمل الأشواط ولا شيء عليه ، وإنما الوضوء مستحب وليس بواجب وقال هو الصحيح ؛ فإنه لم ينقل أحد عن النبي   أنه أمر المسلمين بالطهارة لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبنيه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع.  أما قول : الطواف بالبيت صلاة فعلى فرض صحته معناه أنه شبيه بالصلاة كما قال أبو الدرداء: ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في السوق، فالطواف ، وإن سمي صلاة فهو صلاة بالاسم العام خاصة والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصة ذات التحريم والتحليل. واتفق الجميع على أنه إذا فرغ من طوافه لا يصلي ركعتي الطواف إلا إذا كان طاهراً ، لأن ركعتي الطواف صلاة تشترط لها الطهارة بإجماع العلماء".  والراجح هو وجوب الوضوء عند الشروع في الطواف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طاهراً وقال : " خذوا عني مناسككم " (صحيح) ، ولكن إن خرج منه ريح أثناء الطواف وقد طاف أكثر الأشواط أي أربعه أو خمسه أو سته ، يخرج ويتوضأ ثم يكمل باقي الأشواط ، وهذا قول وسط يجمع سائر أطراف المسألة ، ويرفع الحرج والمشقة عن الطائف عند طوافه أغلب الطواف ، خاصة مع من يعاني من عدم الاحتفاظ بوضوءه فترة معتبرة ، أو من كان كبيراً في السن ويرهقه الخروج للوضوء وإعادة الطواف من أوله ، أو المريض الذي يشق عليه ذلك ، أو الحامل التي يرهقها إعادة الوضوء والطواف من أوله ، أو من يطوف من الدور الثاني أو الثالث حيث تطول مدة طوافه ، لأنه إذا كان لا يحتفظ بوضوءه فترة معتبرة ، وكان من قدره أن يطوف من الدور الثاني أو الثالث في الحرم ، معنى هذا أن فترة الطواف ستطول عن الطواف من الدور الأول ، واحتمال نقض الوضوء لمن هو في مثل حالته وارد فإذا طاف ثلاثة أو أربعة أشواط ثم انتقض وضوءه ، فعليه الوضوء والبناء على ماسبق لأنه لو أتى بالأشواط من أولها مرة أخرى فاحتمال النقض وارد أثناء الطواف وهلم جرا ، لن يكمل الطواف بأي حال ، وهذا عسر ومشقة وحرج تأباه قواعد الشريعة الإسلامية ،أما من يحتفظ بوضوءه فترة معتبرة وليس من أصحاب الأعذار الذين أشرت إليهم ، وخرج منه ريح أثناء الطواف ، فعليه أن يخرج من طوافه ويتوضأ ، ثم يبدأ الطواف من أوله .  والله تعالى أعلى وأعلم .