حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش


حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش
حكم خروج الريح أثناء الطواف بالكعبة المشرفة | بقلم  أ.د روحية مصطفى الجنش


أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة –جامعة الأزهر ، وعضو محكم في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين بالجامعة 

صورة المسألة : 

بعض الناس يعاني من مشكلة عدم الاحتفاظ بالطهارة بعد الوضوء فترة طويلة ، وقد يكون من أثر علة وجود مرض سلس الريح ، وقد لا يكون مرضاً ، والمشكلة تأتي عند أداء فريضة الطواف في الحج أو العمرة ، فإذا توضأ الحاج أو المعتمر وبدأ الطواف ، وفي أثناء آداء الأشواط السبعة خرج منه ريح ، هل ينتقض وضوءه أم لا ؟ ، وإذا انتقض وضوءه هل يجب عليه بعد إعادة الوضوء إعادة الطواف من أول شوط ، أم يبني على ماسبق قبل الحدث ؟  أقول : حتى تصبح المسألة سهلة وميسرة أقسم صاحب الحدث إلى قسمين :  الأول : مريض بسلس الريح ، ويعرف الإنسان أنه مريض بسلس الريح إذا كان لا يحتفظ بوضوءه قدر الطهارة وآداء الصلاة المفروضة في الوقت، أي يستمر الحدث طوال وقت الصلاة ، فمن كان كذلك فليس عليه إلا الوضوء قبل الشروع في الطواف ، فإن خرج منه ريح أثناء الطواف فلا يلتفت إليه ويكمل باقي الأشواط السبعة قياساً على المستحاضة التي تتوضأ فقط لوقت كل صلاة على الر اجح  . الثاني : من يعاني من عدم الاحتفاظ بطهارته فترة طويلة لكنه غير مصاب بسلس ريح فهذا اتفق العلماء على بطلان الوضوء بخروج الحدث منه، ولكن هل يكمل بعد الوضوء باقي الأشواط أم يبدأ الطواف من جديد ؟ هذه الحالة للعلماء فيها اتجاهات :  الأول : يقول : يجب عليه إعادة الوضوء ثم يبدأ الأشواط من جديد وهذا قول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد ، لأن الطواف عندهم صلاة فيبطل بما تبطل به الصلاة ، والوضوء شرط من شروط صحة الصلاة . ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خذوا عني مناسككم) أخرجه مسلم . الثاني : يقول إذا كان الحاج أو المعتمر طاف غالب الطواف أي أربعة أشواط من سبعة ، أو خمسة ، أو ستة ، وانتقض وضوءه ، يخرج ويتوضأ ثم يبني على مافات أي يأتي بالباقي من الطواف ، وإن كان طاف أقل الطواف أي طاف شوط أو اثنين أو ثلاث ثم أحدث ، يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعيد الطواف من أوله، وهذا إحدى الروايتين عند الحنفية .  الثالث :  وهو الرواية الثانية للحنفية قالوا بعد اشتراط الوضوء لصحة الطواف ، وحجتهم أن القول باشتراط الطهارة للطواف، يلزم منه نسخ مطلق نص الكتاب لأن المأمور به بالنص هو الطواف فقط دون الإشارة إلى اشتراط الطهارة ، قال الله تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وهو اسم للدوران حول البيت، وذلك يتحقق من المحدث والطاهر، واشتراط الطهارة فيه زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس. وهذا الرأي أيضاً هو اختيار ابن تيمية حيث قال لا يشترط الوضوء في صحة الطواف ، فمن انتقض وضوءه أثناء الطواف يكمل الأشواط ولا شيء عليه ، وإنما الوضوء مستحب وليس بواجب وقال هو الصحيح ؛ فإنه لم ينقل أحد عن النبي   أنه أمر المسلمين بالطهارة لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبنيه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع.  أما قول : الطواف بالبيت صلاة فعلى فرض صحته معناه أنه شبيه بالصلاة كما قال أبو الدرداء: ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في السوق، فالطواف ، وإن سمي صلاة فهو صلاة بالاسم العام خاصة والوضوء إنما يشترط للصلاة الخاصة ذات التحريم والتحليل. واتفق الجميع على أنه إذا فرغ من طوافه لا يصلي ركعتي الطواف إلا إذا كان طاهراً ، لأن ركعتي الطواف صلاة تشترط لها الطهارة بإجماع العلماء".  والراجح هو وجوب الوضوء عند الشروع في الطواف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طاهراً وقال : " خذوا عني مناسككم " (صحيح) ، ولكن إن خرج منه ريح أثناء الطواف وقد طاف أكثر الأشواط أي أربعه أو خمسه أو سته ، يخرج ويتوضأ ثم يكمل باقي الأشواط ، وهذا قول وسط يجمع سائر أطراف المسألة ، ويرفع الحرج والمشقة عن الطائف عند طوافه أغلب الطواف ، خاصة مع من يعاني من عدم الاحتفاظ بوضوءه فترة معتبرة ، أو من كان كبيراً في السن ويرهقه الخروج للوضوء وإعادة الطواف من أوله ، أو المريض الذي يشق عليه ذلك ، أو الحامل التي يرهقها إعادة الوضوء والطواف من أوله ، أو من يطوف من الدور الثاني أو الثالث حيث تطول مدة طوافه ، لأنه إذا كان لا يحتفظ بوضوءه فترة معتبرة ، وكان من قدره أن يطوف من الدور الثاني أو الثالث في الحرم ، معنى هذا أن فترة الطواف ستطول عن الطواف من الدور الأول ، واحتمال نقض الوضوء لمن هو في مثل حالته وارد فإذا طاف ثلاثة أو أربعة أشواط ثم انتقض وضوءه ، فعليه الوضوء والبناء على ماسبق لأنه لو أتى بالأشواط من أولها مرة أخرى فاحتمال النقض وارد أثناء الطواف وهلم جرا ، لن يكمل الطواف بأي حال ، وهذا عسر ومشقة وحرج تأباه قواعد الشريعة الإسلامية ،أما من يحتفظ بوضوءه فترة معتبرة وليس من أصحاب الأعذار الذين أشرت إليهم ، وخرج منه ريح أثناء الطواف ، فعليه أن يخرج من طوافه ويتوضأ ، ثم يبدأ الطواف من أوله .  والله تعالى أعلى وأعلم .




Share To: