يوم عاشوراء يوم عزة وتمكين | بقلم فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
شهر الله المحرَّم أحدُ الأشهر التي قال الله فيها:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾
[التوبة: 36]
والأشهر الحُرُم هى ذو القعدة، وذو الحجَّة، ومحرَّم، ورجب .
واليوم العاشر من محرَّم له شأنُه العظيم وفيه :
أن صيامه يكفر السنة الماضية :
ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن صيام عاشوراء فقال:
أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله .
وفيه تحري الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم:
روى ابن عباس قال:
ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء .
رواه البخاري
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء .
رواه الطبراني في الكبير
وفيه وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم .
رواه الترمذي
أيضاً كان الصحابة رضي الله عنهم يصوّمون فيه صبيانهم تعويدًا لهم على الفضل، فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار:
من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم .
قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
رواه البخاري
وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول:
رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت .
ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر.
لطائف المعارف
واليهود كانوا يصومون هذا اليوم، فسألهم عليه الصَّلاة والسَّلام في ذلك فقالوا:
يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى؛ فنحن نصومه .
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
نحن أحقُّ وأَوْلَى بموسى منكم .
أخرجه البخاري
وكان هذا اليوم يصومه أهل الجاهلية في جاهليَّتهم، فكان النبى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم قبل البعثة يصومه مع قريش، وصامه في المدينة، فلما افتُرِضَ عليه رمضان؛ لم يلزِم النَّاس بصومه، وخيَّرهم بين صومه وفِطْرِه لكنه صامه إلى أن لقيَ ربَّه.
أخرج ذلك البخاري ومسلم
والرسول صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يُفرَض رمضان أمر الناس بصيامه، فلما فرُِضَ رمضان صار مَنْ صامه فَحَسَنٌ، ومَنْ لم يصمْهُ فلا شيءَ عليه، لكنَّه رغَّب في صيامه .
فيروى عن عبدالله بن عباس رضيَ الله عنهما أنه كان يقول:
ما رأيتُ النبيَّ صام يومًا يتحرَّى فضله على الأيام إلاَّ هذا اليوم؛ يوم عاشوراء .
أخرجه البخاري ومسلم
وقال أبو قَتادَة: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:
صيام يوم عاشوراء أحتسبُ على الله أن يكفِّر سنةً ماضية .
أخرجه أحمد
ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في آخِر حياته لمَّا أُخبِرَ أنَّ اليهود والنَّصارى يصومونه قال:
لئن عشتُ إلى قابلٍ - إن شاء الله - لأصومنَّ التَّاسع .
أخرجه مسلم
ولكنه توفِّيَ قبل أن يصومه، وقال للمسلمين:
صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده؛ خالِفوا اليهود .
أخرجه أحمد والبزار وغيرهما
وروي عنِ ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يومًا، أو بعده يومًا .
رواه الإمام أحمد
إن يوم عاشوراء هو يوم عزة وتمكين، يوم مغفرة وتطهير، يوم شكر وتحدث بالنعم.
ما أعظم معانيه! وما أجل عظاته!
ولا بد لنا أن نتساءل:
لماذا هذا الاهتمام الكبير والاحتفال المهيب بيوم عاشوراء؟
نقول إن العبرة الواضحة، والهدف الجليّ لهذا الأمر أن رسول الله يريد ألاَّ تمر هذه الذكرى على أذهان المسلمين دون تدبر وفهم؛ إنه أراد لنا أن نجلس لدراسة هذا الحدث ولو مرة في كل عام؛ ذلك أن الحدث ضخم والعبرة عميقة.
لقد مرَّ على بني إسرائيل زمانٌ شعر فيه الكثيرون أن النصر بعيد، وأن الأمل يكاد يكون مفقودًا في تغيير الواقع، وأن فرعون سيظل جاثمًا على أنفاس شعبه أبد الدهر، وأن الجنود الظالمين سيظلون في أماكنهم مهما حاول الضعفاء من بني إسرائيل.
ثم ماذا حدث؟
إننا رأينا فرعون يقود جيشه في غرور وكبر ليقتحم البحر بعد أن رأى معجزة انشقاقه، فيهلك ويهلك معه جنده وأعوانه في لحظة واحدة، رأينا هذا الحدث وفهمنا أن الله قادر على كل شيء، وأدركنا بوضوح أن الظالمين لا بد لهم من رحيل، وأنه مهما طالت فترات حكمهم وطغيانهم فإنهم إلى زوال.
إن هذا ما كان يريد رسولنا الأكرم والأعظم أن نتذكره.
نتذكر أن يوم عاشوراء يومٌ صالح، فيه رُفع الظلم، وفيه نُصر الإيمان، وفيه ظهرت قدرة رب العالمين.
إن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجَّا الله فيه موسى في البحر وأغرق فيه فرعون في البحر، ليبقى هذا اليوم يوما تاريخيًّا عظيمًا لا يُنسى أبدًا .
هو يوم فاصِل، وموقف حاسِم، ومصير لازم قادم، يوم الخلاص من البَطش والقَتل، يوم الانتهاء من الجور والظُّلم، يوم العاشر من المحرَّم كَتب الله النجاةَ لنبيِّ الله موسى عليه السلام، الدَّاعي إلى الله وأحد أولياء الله، من أولي العَزم من الرُّسل، وهلاكَ فرعون أكبر أعداء الله من الطُّغاة .
فهو يوم عظيم من أيام الله سبحانه وتعالى، أرسى الله فيه دعائم الحق والنصر العظيم على فرعون وقومه ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ سورة آل عمران
نسأل الله أن يرزقنا يومًا عظيمًا كهذا اليوم تُرفع فيه رايات العزة والمجد للمؤمنين من أبناء هذه الأمة الكريمة.
Post A Comment: