کم کان ماکرا، وهو یرتجل رقصة اللقاء العفوي من خلال مکالمته في الثلث الأخیر من انتظاري، سأل عن صحتي، وأي فنجان شربت فیه هذا الیوم نخب تنازلي عن الکثير من المقدمات المنمقة بداخلي، یعرف جیدا أن الکثير من الأسٸلة لا حق لی في طرحها؛ لأنني بکل بساطة أدع لساني معتلا، ناقصا أو مقصورا، فقط علیه ألا یمد فضوله حیث لا أرید.
تکلمنا عن الفلفل الذي لم یعد حارا کما عهدناه في وجبة إعجابنا السریعة، أیضا تکلمنا عن الکوابیس التي تدعک حبة القرنفل تحت لساني الأخرس، لتهیجه وتخرجه عن المألوف، وعن خوفنا المصلوب  بمقصلة كل الهیاکل، کلما سمعنا المصادقة علی مشروع قانون لا یعني البشریة إلا في قهرها .
 نظل صامتین کثعالب العنب التي کلما دخلت حقلا خرجته مستأذبة،  ممتطية أوزارها وأوزار كل أبناء جلدتها.
سألني وکأنه یقبل شفتي عنوة :
  - كيف تکتبین؟ ... سٶال يطرحه  العالِم بالشيء عندما لا یتذوق السکر في دموع المطر . 
-  کیف أکتب!؟ ... سٶال ینقلني لنشوة الکتابة تلقاٸيا، أنظر إلي وأترکه ینتظر .... تأخرت عن إجابته، قد یظن ... أیظن .... أتذکر أغنیة نجاة الصغیرة، وأعود إلي وأنا أردد داخلي "إن بعض الظن إثم"، ولِمَ لا یظن أنني أکتب انتظاره کخط موصول بالکیف والمتی و....؟
أجیبه والحیرة تغالب نبرة صوتي : 
-  أكتب عندما أجوع وأشعر بالظمأ، وقد أكتب إن شعرت بإنسانیتي ترتقي، وأیضا إن مست في جوهرها، وإن غضبت، وإن فرحت، وإن أحببت....طبعا طبعا الکتابة حب ... نسیت أن أقول لک أنني أكتب عن القضیة.
شعرت بأنفاسه تهتز، لعله رجل موقف وقضیة، قال لي كمن یشد الوثاق علی لغتي :
-  الکثير من یکتب فارغا من قضیته.
-  یالله. هذا الرجل یلبسني توب تشي جیفارا؛ وکأنه یقرٶني بکل القوامیس  
هتف ضاحکا :
-  أراک في ثورة القرنفل تغسلینه من الضجیج.
حاولت أن أنفلت من قبضته، متعللة أن طقوس الکتابة كالصرع، ساعاتها مختلفة وأحوالها أکثر .
متهکما عقب :
 - الصرع حالة لا وعي، لا یحمل قضیة ولا یشد وثاق  مبدأ.
قلت:
- بلی، یحمل قضیة أكبر من ترکیبتنا الإنسانیة بکل عقدها وتراکیبها الفیزياٸية، و...ثم  لماذا نغیب عن الوعي عندما نعتنق الکتابة ونسافر في الدهالیز  کالغرباء؟ أي فلسفة نعتنق؟ لنٶمن بهذا الزخم الخارج من إسقاطات الذات الباطنیة إلی عالم  مرٸي محسوس، بعیدا عن کل تریاق يحقن في أدمغتنا بخلفيات متعددة، وعبر مساراتنا کمن یظغط علی صدره لیتجشأ أزمنته، أو کمن یفرک عینیه ویفتحهما علی نص لم یکتبه وهو یعي سبب دمغته وسیلان وجعه .
قال امتدادا من وجعي:  
-  مابک!؟ هذه اللیلة أنت غیر ....
 - نعم أنا غیرها .....غير فاطمة التي تحاسب الکتابة خارج تغطية الجیل الخامس، أریدها کتابة تحمل کل معاني الاِرتواء ، سریالية  في تماس انفجارها، تجریدية حین تتسید الکون، طبیعیة كلما ضاقت بنا الحروف، وتدحرجت لرومانسیة  تتبتل فیها أرواحنا .
تزحزحت  من مکانها بعدما أزاحت بعض الخصلات عن جبینها، أخرجت القرص من مقدمة رأسها، مسحته بعدما صبت علیه وابلا من أنفاسها، أغدقت علی الناذل بعضا من ابتسامتها المعهودة وغادرت.




Share To: