بعض من العزلة يشفي..كالخمر بعضه يفرح قلب الانسان..هكذا ظن..فقرر ان يبتعد عن العالم باحبابه واعداءه وخصوصا انه تجاوز سن التقاعد وقد عمل وتعب وضحى كثيرا في حياته..كان في الفترة الاولى يتلهف لرسالة تصله من حبيبة..او من ابن...وكان ينتظر العيد لربما يتلقى زيارة من صديق...ومرت الايام واعتاد والف عناصر الطبيعة حوله..البحر بموسيقاه التي اغنته عن كل فناني العالم...والضباب الذي كان غالبا ما يمنع الرؤية لأبعد من قدميه...اما الصخور التي كان يجالسها لساعات طويلة فقد حفظ تفاصيلها وملمسها والوانها التي احتشدت في رأسه..فاخذت يوما بعد يوم تمسح كل الذكريات وكل الاحداث التي كانت تزحم تلافيفه...كان كعادته يقف متأملا البحر عندما استلم رسالة من زوجته تخبره انها قررت ان تلتحق بصديقها الشاب لتستأنف حياتها...لم يملك الا ان يستسلم للامر..ولكن ما استغربه انه لم يشعر بالالم...لم يشعر سوى بثقل في قدميه اثناء العودة الى الكوخ الغير بعيد عن الشاطىء..وتقبل حالته الجديدة ..وكان الثقل يزداد عند كل حدث يمر به...فعندما انكسر ابريق الشاي المحبب الى قلبه لم يتألم..وانما ازداد ثقل وتصلب قدميه حتى ظنهما تتحجران...وازدادت صعوبة الحياة مع حالته الجديدة...وظل يجرجر جسده الثقيل الى الشاطىء ويتيه في الضباب سعيدا بنسكه وبعده عن العالم...حتى ان جاء خبر موت اعز صديق له...مع اخر سطر في الرسالة فقد شعوره بقدميه...لا بل امتد هذا الشعور الى اعلى جسده...وتعجب متسائلا كيف سيعود الى كوخه...ظل واقفا ولا يزال عقله يحلل الحدث...لم يع ما يجري الا مع مرور الساعات الطويلة حيث كلما تذكر حدثا كان في الماضي يسبب له الالم الشديد بغير ما يشعر به الان...فقط كان التحجر كما قرر ان يسمي حالته، كان التحجر يطال ما تبقى من جسده الحي..وهكذا ظل واقفا في مكانه منذ سنوات.. تمثالا حجريا ولا يزال...لقد اعتزل العالم!
Post A Comment: