نص بعنوان (حواء الدلو) بقلم برهان شاوي روائي وشاعر عراقي من ألمانيا

التفت إليه وقالت:

- سأعترف لك بشيء..أنا لست أنا..مثلما أنت لست أنت..لست رقيقة القلب كما أبدو لك أو تصورتني..ولست حلماً أرضياً..أنا عملية..أحب الأقوياء..لا أحب المتشكين..التعيسين ..الضعفاء الذين لا يأخذون مصائرهم بأيديهم..الذين يشعرون بأنهم ضحايا القدر..هؤلاء الذين إذا وضعتهم في الجنة لرددوا مع أنفسهم: يا للجحيم..أنا لا يهمني أن أكون عاشقة..لست رومانسية..لا أريد الخضوع لمشاعري التي تجعلني ضعيفة أمام اي رجل..المهم أن يحبني الرجل ويهتم بي..هذا ما يعنيني أكثر مما يعنيني أن أكون عاشقة.. 

 

- لكن الحب يطهر القلوب من رجس الأنانية....!

نظرت إليه نظرة ساخرة وسألت بمزاح:  

- وهل الأنانية رجس..!..أنت قارئ جيد للكتب يا آدم...وربما قرأت كما قرأتُ أنا في شبابي لكاتب مشهور..يقول بأن الأنانية العميقة هي أساس جميع الفضائل..وأن فضيلة أي عمل هو على قدر ما ينطوي عليه من أنانية..أحبب نفسك أيها الكائن تلك هي القاعدة..والحياة صفقة..فلا تهدر مالك..انتبه لحقيبتك.. ولا تعط منها إلّا ما يحقق لك السعادة واللذة..

-الأنانية العميقة..ما هذا..؟ سأل آدم المسكين بغرابة,.

- إياك أن تخلط بين الأنانية وشهوة التملك..أن تمتلك الآخرين ومشاعرهم..فتلك قضية خاسرة..لأنك حينها تفقد نفسك..! إنني أعرف أن الصراحة شر أحيانا..لكني أشعر بلذة خلع القناع أحيانا..وليس الجميع من يحسن ذلك..أتعرف ما هي مشكلتك يا آدم..

نظر إليها متسائلاً لكنه لم يسألها، فواصلت هي:

- مشكلتك أنك في عزلتك لا تسمع سوى موسيقى الصمت..بينما لو أنصتّ للحياة لوجدتها جوقة صراخ وضوضاء..بل حتى كوكب الأرض فأنه في الكون اللانهائي لا يطلق سوى الأنين والآهات..!..

كان آدم يستمع إليها بانتباه شديد..وأدرك أن المرأة التي يبحث عنها في حواء الدلو هي ليست سوى وهم..وأن هذه المرأة ليست سوى حواء المدفون الذي زوجها هو أحد الذين وجد هويته في الحقيبة الجلدية..وأن هذه المرأة لا تختلف عن نساء آدم آدم صاحب " استراحة مفيستو"..فقال لها يائساً:

- قد أكون كبشاً ضالاً..وإنسانا خاطئاً..ضل الطريق القويم..ودخل في دروب مظلمة..لكن   ضلالي وخطيئتي كانا صادقين ومخلصين..لأن فكرة سامية هي التي كانت تقودني كالمسحور..

نظرت إليه وكأنها أم تؤنب ابنها وقالت:

- لكن هذا لا يعفيك من الخطأ والضلال....!

فأجابها بغضب مكتوم:

- ومن الذي يقرر الخطأ والضلال..؟.

لم تنظر إليه وأنما رددت مع نفسها وبصوت عال:

- هذا هو السؤال .. 

من " فندق مفيستو" أو " استراحة مفيستو"