أعيش بقوة خواء الحياة الافتراضية ، بكل عبثيتها وسحرها, معاني متناقضة، تناقض وتيرة الحياة اليوم، الأمر هكذا ببساطة ، مادمت لا أستطيع  رؤية رجفة الشوق في مقلة من أحب، ولا متعة الشعور بملامسة حقيقية تؤكد على خصوصية المشاعر 
وعندما يهطل المطر. ينهمر حبة حبة ،على المدينة ،وعلى شباك  غربتي، وفي قلبي أنا. في هذه اللحظات  أشعر  بضجيج  الحياة ينسل بعيدا عن ضفتي.  
لا شيء أكثر  متعة في هكذا لحظات، من نافذة خضراء صغيرة على سطح بارد، أفتحها متأنية، وأطل  منها على الطرف الآخر،عالم متخيل مع أشخاص افتراضيين أتشارك معهم الهاجس والذاكرة ، مليء بضجيج الحياة الحارة ، تتمازج  وتتجاذب فيه مفردات الحب  والفرح والحرب والفقر والخراب والوجود  والعبث  والحياة والموت، حيث تتحول عوالم تلك المواضيع الثرية إلى تفاصيل يومية ، تعطي جرعات من  قوة الاستمرار  إلى حياة عادية الفرح، هزيلة  الأحداث .        

أجل، في هذا الزمن الرديء ، أقبل على الحياة الافتراضية بشغف ، ناسية أو متناسية  حلاوة النظر الى  اختلاج  الروح  في مقلة العيون، ومتعة دفء اللمسة في لقاء حقيقي، وجمال  حركة الشفاه حين تبوح ، ودفء الأنفاس  في نجوى الحوار، وأتنفس الصعداء حين ارى نوافذ الأصدقاء الفيسبوكيين  خضراء لامعة  
هم هنا ...

وكلما ازداد  عدد النوافذ الخضراء الصغيرة، أفترض أن دفئا من نوع خاص ينساب عبر هذه النوافذ لينسكب في قلبي، فهذا يعني المزيد من زخم الحياة  ومن  ضجيجها ومن قوتها . . .في حين ينتابني  الآسى   حين تكون هذه  النوافذ الصغيرة  بلا لون  موصدة ،  فهذا يعني مزيد من عوالم العزلة ، المتلازمة مع مفردة الهجر، والتي تعني  أن نوافذ الآخرين تصفق في وجهك،وانك وحيد تماما فتغلق الصفحات ،وتعلو لغة الخصام ، و يصل الحوار إلى طريق مسدود ، ربما أعزي نفسي وقتها  إن في الإختلاف غنى .
ولكن أي  غنى وأي اختلاف أوصلنا إلى مستنقع الجنون هذ ! 
أغرق في زحمة الحياة الفيسبوكية، وأعيش تناقض هذا العالم العبثي، أقبله كما هو غير عابئة بتحليل عشوائية الصورة السريالية  التي يرسمها هذا العالم الصغير، فأنتقي بعناية أضمومة ياسمين هدية لمن أحب، فتصل  الطرف الآخر طازجة  بلهفة الإشتياق ، أترنم بحنان بأغنية حب قديمة ، وأتذوق بشهية أكلة لذيذة ، وأراقب بشغف اشتعال الصفحات الفيسبوكية وانهمار الاخبار والمشاعر والقصص  و الخلافات والتناقضات، واستعد للدخول في حياة ليلية  متناقضة عجيبة لا تشبهها أي حياة   أخرى..
 طالما تساءلت  كيف يمكن لمشهدين صارخين في  الاختلاف  أن يجتمعا معا أمام الذائقة البصرية /الحيادية / تماما، / مثلا/  مشهد  الحقول الغارقة في نشوة الربيع   وقد زهت بندى الصباح ، وثمة سنونوة هنا  تشدو لفرح اللقاء، وقُبرّة هناك  تغني لوداع المساء ،،في حين تترى أمامك مشاهد تجعلك تقف عاجزا ومكتويا ، ليس بالألم وحده ، ولكن بالدهشة ، لبشاعة  ما يمكن أن يفعله الإنسان عندما تتشظى  روحه و يجوع الوحش بداخله  
وفي هذه اللحظات،لا أدري إن كان هناك ما يمكن له أن يضيء  ولو قليلا هذه المساحة المعتمة  من داخلك ، غير أن تختار،اختر نبض الحياة الحار دائما ، اختر كيمياء الحب والإلتصاق بالآخر ، فلا شيء سواه يمكن أن يقودك  إلى عذوبة الشعور إن هناك ما يزال شيء ما يستحق الحياة  . 
 ما حدث حقيقي   ودمارنا  حقيقي ..وحده الفرح هو افتراضي في زمن الغربة !



Share To: