سؤال قديم متجدد، طرحه الانسان، وتوقف عند اجابته بصياغات مختلفة، وبطرق شتى، وعلى اثر مواقف وخلفيات، فلماذا نار واحراق وماء واغراق وشباب يهرم وحياة تذبل وتموت، ولماذا الوجع والحزن والنقص والجوع والفقر والمرض والهرم ولماذا هذا التفاوت العظيم في الاشكال والارزاق والمصائر..؟؟
اجوبة مختلفة قدمت في اطار هذا التساؤل الاكبر والاعقد والاصعب، واقول فيه..
شاء الله جل وعلا، ان يؤطر خلقه بسنن عليا، جعلها حاكمة على مجريات هذا الخلق وصورته، وهذه العلوية هي أمر مأذون به منه ومطلوب له ومراد لغاياته، وليست لاستعصاء او عجز او قهر او علوية آمرية، وهذه السنن رسمت الوجود في ان يكون النقص مجاورا للكمال في كل الوجود، وهذه المجاورة الضرورية هي التي اقرت مسار التنافس والتدافع عبر الحرية والاختيار، ففي هذا الجزء من الحياة، يتحرك الكدح الانساني للحصول على الخيارات الافضل والاسلم والاقرب لمنفعته الحقيقية، ولهذا الكدح، تم تزويد الانسان بخارطة اهتداء له، ومتحسسات ومستشعرات ذاتية وخارجية تعينه على الاستبصار والفهم والرشد، وتجعله قادرا على اختيار الافضل، فتصوروا لو كانت كل الاشياء مكعبات ثابتة وواضحة القدر والحدود، واصبح الانسان عارفا لها بصفتها ووضعها غير القابل للتبديل والتغيير، والذي هو اما خير مطلق او شر مطلق، اما كمال مطلق او قبح مطلق، فأين يكون مسرح التدافع والاختيار والسعي والحراك العام للاختبار والابتلاء والتفاضل..؟
من المهم، التاكيد على ضرورة، على ان يفهم الانسان ويدرك، ان مساحة الكدح والاختيار والتفاضل محكومة بسنن اخرى، تمثل نهايات حتمية لحدود هذا الحراك، فعليه ان يسلم ويرضى في حدود معينة، ويعرف ان الكدح والحراك لن يتيح له الوصول الى كل مايريد من دفع الضرر وجلب المنفعة..
ايضا لا بد من التاكيد، ان هناك صورة منتظرة من الخلق، محكومة بسنن اخرى، لا تقتضي ان يكون هناك نقص وألم وهرم ومرض وموت وجوع وفقر وحزن، بل تلك الصورة من الخلق مخلصة من كل هذه المنغصات، وهي بمثابة نتيجة للفوز بمعركة الاختبار في صورة النقص التي هي بمثابة امر ضروري للوصول الى تلك النتيجة.
ان مهمة الكدح والبحث والاختبار وساحة الحراك والتدافع لم تقف عند الانسان فحسب، بل هي ممتدة الى كل الموجودات، فتلاحظ ان الطيور جعل لها مصادر للعيش تبعد عن مواطنها بآلاف الكيلو مترات، ويجب عليها ان تهاجر إليها، وتعتني للوصول إليها، وهكذا لو دققت في كل اجزاء الوجود وتفاصيله..
يحكم كل هذا السياق من الفهم، كلية عليا قررها النص القرآني العظيم (تبارك الله احسن الخالقين)، ويعاضدها نص آخر (ربنا ما خلقت هذا باطلا)..
Post A Comment: