كانت الأفواه مكممة في ذلك الزمن (بقماش) الخوف ، وكان البرلمان الوحيد الذي يحق لنا تبادل الرأي فيه هو قهوة (سعدية) حيث السامع الوحيد بيننا كان هو الله والشيطان إن وجد ، أما (سعدية) لا تسمع غير تسعة أشياء: القهوة ، الشاي ، الزنجبيل ، الشرية ، النعنان ، القرفة ، الهبهان ، الماء ، والمال في مؤخرة الأمر ، والرجل الملحد كان هو المتحدث الوحيد بيننا ، حينا تحدث في تلك اللحظة حديثاً لم يتحدث به إدورد سعيد أو نعوم تشومسكي بفيضان معرفته - فهو المتنرجس في قوله المعتاد إن فهمه لا يوازيه فهم إلا فهم الله ولولا شح معرفة الناس به التي لا تتعدى المئة شخص ليس من ضمنهم رجلاً حكومي لكان أن يجعل السعادة توزع في الطرقات لحسن فكره :

- في الرأي الجوهري للقائل "إنه واحد من أفضل الممثلين إن لم يكن أفضلهم" هو "الأفضل" أي في جوهره يريد أن يقول هو "الأفضل" لكن شجاعته التي هي بقدر نفاقه تجعله يعطي رأياً دبلومسا ومرواغاً ، هكذا في الحقيقة تكون السياسة ، أي أن النخب السياسية بينها تعطي خطاباً دبلوماسياً ومرواغاً ، لتصور نفسها بمثالية يحسد عليها ، وحتى إذا إعترفت لك بخطأها هي تتفنن في كيف تصوره لك ، لأنها تعرف بأن تصوير الحقيقة بشكل شفاف هو ما سوف تنتج عنه ردة فعل قد تطيح بها إلى مزابل التاريخ ، لذلك هي تحول ردة الفعل عبر خطابها الدبلوماسي المراوغ من ردة فعل ساخنة إلى ردة فعل باردة ، لا تقود إلى الإتلاف ، إذن يا أصدقائي لا توجد حرب دينية كما يصور لها ، بل أن كل الحروب التي دارت عبر التاريخ وتدور الآن في الحاضر وما سوف تدور في المستقبل هي حروب إقتصادية وسياسية.

تدخل ذلك الرجل ذو اللحية الكثة وجلاببه الأبيض المقتصر بسنتمترات عن أسفل القدم ، وهو رجل إسلامي متشدد ، تكفيري ، في تلك اللحظة التي ظهر فيها كساحر يظهر بين أمكنة السعادة والحرية ليصنع عالماً قذر يحلم فيه كرسول يقود الناس إلى الجنة:
- هذا الرجل ملحد لا تستمعون لحديثه!

دار الصراع بعد حين بين الرجلين ليبرر الرجل الملحد موقفه من تحريض هذا الرجل:
- لا يوجد ما يمنع أن يستعمون لي إن كنت أقدم إستنارة في الوعي السياسي ، وهناك سؤال سوف أوجه لك: نفترض أنك طالب بالجامعة وهناك أستاذ ملحد يقدم لكم شرح مادة الرياضيات ، هل  سوف تغادر  محاضرته وتقول هذا ملحد لن أستمع له؟
تلعثم الرجل في الحديث قائلا:
- انت لا تفهم ، مجرد إنسان غبي ، حينا تم توزع الفهم انت لم تكن حاضراً.

قال حديثهُ هذا ثم إنصرف لحاله دون أن يعطي إجابة موضوعية ، ليواصل الرجل الملحد في تقديم تنويره بعد إبتسامة ساخرة رسمها على وجهه السعيد وتعليق طفيف عن الرجل "القطيع هم فرع من شجرة لا تثمر ولا تظل" :
- لا تنخدعوا ولا تحترقوا في داخلكم بالحرب بين إيران وأمريكا ولا بين إسرائيل ودولة فلسطين ولا ... هذه حروب تدار بين ميادين الإعلام أو هي حرب (بالوكالة) التي خلفها تمرير أجندة لمصالح إقتصادية وسياسية ، ليس هناك من حرب مباشرة ، فالرغبة الجامحة عند إيران هي توجيه ضربة مفجعة للاقتصاد العالمي أو تدمير جزء كبير من الإنتاج العالمي للنفط لأطول فترة من الزمن . أما أمريكا تعتمد على رفاهيتها من صحة النظام الاقتصادي العالمي. أي هنا يكمن الجدل الدائر .
وما لا تعرفوه عن فلسطين ، هو أن شعبها يعيش الأمن والرفاهية التي لا تجدونها في بلدكم الغني بالثروات "سلة غذاء العالم" فشبكة المياه والكهرباء تأتي لغزة من إسرائيل ، وهناك عمال فلسطينين يعلمون في حدود إسرائيل!

- الصراع الحقيقي يا سادتي هو الذي يقام بيننا نحن الشعوب البسيطة الفهم ذات القوميات والتوجهات الأيديولوجية المتعددة غير المدركة بما يجري خلف الكواليس في محيط السياسة.

سرعان ما أكمل حديثهُ هذا حتى أتى ذلك الرجل الإسلامي المتحيز للخراب وهو مرفقاً بمجموعة عسكر في مأمورية لقبض هذا الرجل الملحد الذي يشيعُ الظلام في ضوء عقول الناس ، لكنه كعادته الدائمة سوف يتوب بعد ثلاثة أيام ليتوسط ملكوت الله ثم سيعاود فعلتهُ القديمة قائلاً ما لا قاله بشر آخر في صراع الأرض (موارد الأرض).



Share To: