في شتاء 2005 اتخذت مصحة ((ستير))، لرعاية المسنين وهي بالمناسبة من أقدم وأعرق المؤسسات الصحية، بولاية رود آيلاند الامريكيه، قرارا بتبني قط جديد، وأضافته إلى مجموعة القطط والحيوانات الأليفة، التي كانت المصحة ترعاها وتتكفل بتربيتها، وقد سمحت أدراة المصحة لتلك الحيوانات بالانطلاق، بكامل حريتها في  الأروقة والممرات ودخول حجرات المرضى، لصنع جوا من البهجة والسعادة يعود بالفائدة على نفوس النزلاء والعاملين..
ولكي يحصلوا على هذا القط الجديد، قام بعض موظفو المصحة بجولة مروا فيها على عدة ملاجئ للحيوانات المشردة، حتى اختاروا في نهاية الجولة قط صغير ذو لون أبيض ممزوج بالرمادي عمره شهر واحد فقط..لقبوه بالقط ((أوسكار))..
وفي الطابق الثالث، من المصحة كان يعيش ((أوسكار)) الصغير..
كان الطابق مخصص للعناية بالمرضى المصابين بالخرف والهذيان،أو بمعنى أخر المرضى الذين يأس الأطباء من شفائهم..المرضى الذين اقتربت نهايتهم..
وفي ظرف شهور قليلة..كبر ((أوسكار))..وأصبح قط جميل الشكل، وقد لوحظ عليه بأنه مختلف نوعا ما في سلوكه عن باقي القطط التي ترعاها الدار..فلم يكن ((أوسكار)) يتودد إلى البشر، أو يحاول الاقتراب منهم، أو التمسح بجسمه في أحذيتهم كما يفعل بنو جنسه، بل كان دائما ما يحافظ على وجود مسافة بينه وبين أي بشري، ولا يسمح بأن يقترب منه أحد، أو يلمسه أي شخص بقصد مداعبة فراءه الناعم الجميل..
باختصار كان قط مختلف عن باقي أقرانه، ويكتنف تصرفاته الغموض والريبة، فكان يختفي لساعات طوال، ثم يظهر فجأة ويتجول بين الطرقات والحجرات متفقدا المرضى كما يفعل الأطباء تماما..
وبعد أن بلغ ((أوسكار)) عامه الأول بدأ العاملين بالمصحة ملاحظة أشياء جديدة تطرأ على ذلك القط الغامض، كما قلنا فإن ((أوسكار)) كان لا يحب الاختلاط بالبشر بأي صورة من الصور، إلا أنه بدأ في الاقتراب من هؤلاء الأشخاص الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة، هؤلاء الذين يتأهبون إلى الانطلاق في رحلة بلا عودة إلى العالم الآخر...
فحينما كان يوجد هناك مريض يحتضر، يظهر ((أوسكار)) فجأة ويصعد فوق الفراش الذي يرقد عليه المريض، ليقبع بجوار رأسه على الوسادة، وسط دهشة الحاضرين من أقارب المريض والعاملين بالمصحة..
وحينما كانت تشتد لحظات الموت على المحتضر كان ((أوسكار)) يقوم بوضع رأسه على صدره وكأنه يواسيه ويطيب عنه، وفور أن تصعد الروح لبارئها، كان ((أوسكار)) ينتفض وكأنه أدرك أن صاحبه قد صار جثة هامدة، ثم يقفز من الفراش مبتعدا قبل أن يختفي!!!
ومع تكرار تلك الظاهرة التي يقوم بها القط مع كل من يحتضر، لاحظ العاملون بأن الفترة الزمنية التي ما بين وقت ظهوره إلى موت المريض، غالبا لا تتجاوز الساعتين.
ولكن هل يعقل أن يستشعر القط أو يتنبأ بموت البشر؟..
هو في النهاية مجرد حيوان أعجم لا يعقل ولا يعي..
ولهذا فأن أطباء المصحة، لم يقتنعوا بما يفعله ((أوسكار)) وفسروه بأنها مجرد مصادفة لا تعني شيئا ما..مجرد صدفة تجعل القط يظهر مع اقتراب موت أحد النزلاء لا أكثر..
لكن...
الأمر لم يتوقف عند تفسير الأطباء...لأن ما يفعله ((اوسكار)) أصبح يتكرر بصورة دورية مع كل محتضر..الأمر الذي زاد من حيرة ودهشة الجميع..
وفي مرة كانت هناك سيدة عجوز بين نزلاء الدار تعاني من حالة تخثر الدم في ساقها اليمنى، وكانت في غيبوبة،لكن لم يتوقع أحد من الأطباء بأنها ستموت،بل كانت كل فحوصاتهم تشير إلى أنها ستفيق وأن حالتها الصحية ستتحسن خلال الأيام التالية..
ألا أن ((أوسكار)) كان له رأيا أخر..إذ قام بزيارتها، وأعتلى فراشها ورقد بجسمه على ساقها المصابة، وظل هكذا لوقت طويل، وكأنه يدفئها، إلى أن نهض فجأة وأنصرف...وتأكد الأطباء وقتها إلى أن السيدة قد ماتت بالفعل!!!
وفي مرة أخرى قام ((أوسكار)) بالدخول إلى أحد المرضى الطاعنين في السن، وقفز فوق فراشه، ورقد بجوار الوسادة، وأخذ ينظر إلى العجوز النائم، وكان ذلك في وجود أقارب المريض، الذين خشوا من أن القط سيقلق منام العجوز، فطلبوا من الممرضة بأن تصرف ذلك القط بعيدا، فقامت الممرضة بإلقائه خارج الحجرة، وأغلقت الباب إلا أن القط قام بأغرب فعل يقوم به حيوان..
إذ أخذ يطلق مواءه بشدة وكأنه يبكي، ويخدش الباب بأظافره، وكأنه يترجى بأن يفتحوا له، وبالفعل فتحوا له فدخل وقفز فوق الفراش لينام بجوار العجوز،وبعد ساعتين كان العجوز في عداد الموتى،ولم يكن الأطباء يتوقعون مطلقا موته!!!
وأشتهر القط ((أوسكار)) بقدراته الخرافية..وكأي شيء مثير غامض،أنقسم الناس حوله إلى فريقين،فريق مؤيد لقدرات القط الخارجة عن المألوف،وفريق معارض وبشدة، وفي النهاية قرر الفريقان إخضاع القط لتجربة جديدة إما أن تثبت قدرات القط أو تنفيها نفيا..
كان هناك مريض يحتضر في حجرة بالطابق الثالث، وقد توقع الأطباء بأنه سيلفظ أنفاسه خلال فترة قصيرة أقل من ساعة تقريبا، ولهذا فقد قاموا بإحضار ((أوسكار)) وأجلسوه فوق سرير المريض، وقرروا بأن بقاء القط بجوار الشخص المحتضر سيؤكد قدراته الخارقة، أما أذا ترك القط الحجرة ورحل قبل موت الرجل، فهذا يكون دليلا مؤكدا بأن القط لا يتمتع بأي قدرة غير طبيعية..
ولم يلبث الجميع أن شاهدوا ((أوسكار)) وهو ينطلق خارج الحجرة تاركا السرير والمريض، بعد دقائق قليلة من وضعه..
فهلل الفريق الرافض لقدرات القط..وأعتبر الأمر منهيا..بأن ((أوسكار)) هو قط عادي كباقي القطط وأن موهبته التي يتمتع بها هي موهبة مزعومة لا تخرج عن نطاق الصدفة لا أكثر..لكن..
لكن فرحة الفريق الرافض لموهبة القط لم تدم طويلا، وهذا لأن المريض ظل حيا ولم يمت كما توقع الأطباء خلال ساعة، بل أنه ظل في عداد الأحياء لمدة عشرة ساعات كاملة قبل أن يلفظ أنفاسه فعليا ويفارق الحياة،ولقد تفاجئوا بحضور ((أوسكار)) قبل موت الرجل بفترة قصيرة، ووثب على الفراش في مرونة،ورقد بجوار رأس الرجل حتى مات!!!
وبهذا فقد فاقت قدرة القط كل خبرة وعلم الأطباء وأجهزتهم الدقيقة في تحديد موعد الموت..
وذاعت شهرة القط ((أوسكار)) لتطبق الأفاق،وتمكن من التنبؤ بموت 25 حالة حتى عام 2007..ولم يعد هناك من شك في قدراته المذهلة، بل أن طاقم الأطباء والعاملون بالمصحة أخذوا يراقبون خلجاته ويحصون أنفاسه،وكان كلما أقترب من أحد المرضى وقبع بجوار رأسه، يعد دليلا قاطعا على اقتراب موته، فكانوا يتصلون بأقاربهم وذويهم ليحيطوهم علما بأن مريضهم سيموت خلال الساعات القادمة..
وفي عام 2007 كتب الدكتور دافيد دوزا مقالا موسعا في مجلة (nejm)  الطبية وهي أحدى المجلات العلمية المعروفة بالولايات المتحدة الامريكيه، فأشتهر القط الغامض أكثر وأكثر وذاع سيطه..
وقد تمكن القط من التنبؤ بعدد 50 حالة حتى عام 2010..
وكان القط في نظر رواد الدار والعاملون بها كملاك رحمة يخفف عن الأشخاص الذين اقتربوا من الموت الآم الاحتضار ولفظ الأنفاس الأخيرة!!!
 وقد قام الدكتور دوزا في مقاله الشهير عن قدرات ((اوسكار)) بإعطاء تفسير علمي يفسر لنا حالة القط العجيبة إذ قال:
((من المؤكد أن الحيوانات تفوق الإنسان في الحواس بمئات المرات، لذلك فهم يمكن لهم أدارك أشياء خارجة عن علمنا، وبهذا فأن التفسير العقلاني لقدرات القط ((أوسكار)) الخارقة هو أن القط يمتلك حاسة شم قوية للغاية، والمعروف أن الخلايا المحتضرة تفرز أنزيمات ومواد كيميائيه داخل جسم الإنسان بفترة قصيرة قبل الوفاة، وذلك من أجل تهيئة الجسم لمرحلة التحلل التي تعقب الموت، لذلك فأعتقد بأن ((أوسكار)) لديه موهبة في حاسة الشم تجعله يميز رائحة تلك الإنزيمات والمواد الكيميائية التي يطلقها الجسد وقتما يموت)).
كما أنه هناك رأي أخر قاله الدكتور دانيال استيب دكتور علم سلوك الحيوان (( إن الأشخاص القريبين من الموت يتمتعون بحالة من السكون والهدوء وقلة الحركة، ربما القط ((أوسكار)) يمتلك حاسة تجعله يشعر بتلك الحالة الفريدة التي يمر بها الإنسان قبل موته، لذلك فهو يقترب منه، كما لا أظن أن الأمر يتعلق بروائح أو غيره)).
لكن للأسف فكل تلك التفسيرات هي مجرد ظنون ولن تشفي غليلنا أو تبرهن لنا تلك القدرات الخارقة التي يتمتع بها القط ((أوسكار))..
لأن ((اوسكار)) لم يعيش بمفرده في المصحة بل كان معه قطط وحيوانات أخرى 
ولم تفعل أو تبدى أي تصرف غريب مما يفعله ذلك القط..
أن القط يبدو وكأنه يرى شيئا لا نراه نحن..ويعرف أشياء مجهولة لا ندري عن كنهها شيء..لذلك فهو يصعد بجوار المريض الذي يحتضر ويقبع بجواره وكأنه يحنو عليه ويواسيه في محنته وأوجاعه..
ونحن كمصريين أذا نظرنا عبر تاريخنا المجيد،سنجد بأن أجدادنا الفراعنة قد أمنوا بأن القطط هي تجسيد حي لأرواح الآلهة، واعتقدوا بأنها ترى وتسمع وتعقل ما لا نراه نحن ولا نسمعه، ولهذا قدسوها لدرجة أنهم كانوا يقيمون العزاء والجنازات لأجلها..
ونلاحظ أيضا بأن القط قد أرتبط أسمه بالأساطير والقصص المرعبة..مما يجعلنا نفكر ونهتف لماذا؟..
لماذا القط بالذات..قالوا عنه بأن القط لديه سبعة أرواح..وقالوا أيضا بأن القط الأسود من الجن..
بل أذا نظرت أنت إلى عيون قط ما..تجد عيونا براقة تخفي خلفها سرا ما..
وتشعر بأنها تريد أن تتحدث وتحكي عن الكثير من الإسرار التي تعلمها هي ولا ندري نحن بنو الإنسان عنها شيء.






Share To: