دخل مراد للبيت،عائدا كعادته من الحقل، متعب من العمل،لقد قلب الأرض وهيأها لتكون صالحة للحرث والبذر،الشئ الذي اتعبه وجعل كتفه يئن ويتألم هو أنه قلب الأرض بالفأس في الأماكن الوعرة والزوايا وبعض المنحدرات، حيث لاتصل المحراث ولا الدابتان لوجود نتوءات،وحجارة، وثنايا، جلس على الأرض وأسند ظهره للجدار ،حيث أحس ببعض الراحة،وتخلص من حمل جسمه حيث تكلف الحائط بذلك،يريد قهوة ساخنة هو مشتاق إليها وإلى رأئحتها التي تتسرب وتتغلغل في خلايا دماغه وتمتزج بدمه، فتعطيه قوة وحتى كتفه سيتوقف عن أنينه،القهوة لكل شيئ ،مثل زيت الزيتون سيدهن به كتفه في الليل فتسخن العظام ويشفى تماما،أمه تعرف ولدها وتعرف حبه للقهوة ،فجاءته بالإبريق، لكن من العادة أن زوجته مريم هي التي تقوم بذلك ،ماالسر في ذلك! وأين ذهبت دون مشورته ،ليس من طبيعتها هذا السلوك،فسأل أمه عن زوجته فأخبرته أنها عند الجارة لآلة خديجة تزورها لأنها مريضة وستعود حالا.
وهما كذلك وإذا بزوجته مريم تدخل ،فرحت بعودة زوجها وشكا لها ألم كتفه فوعدته بدلكه بزيت الزيتون،وستطبخ له أكلة حارة بالفول اليابس ورأس الحانوت ( توابل) مع الخضر فما إن تدخل معدته حتى ينهض كحصان الحرب.
مريم تحب زوجها وتخاف عليه، وتوصيها امها به خيرا،ماعندك إلا هو ردي بالك ! أما زوجها فكان يبادلها نفس الشعور،وتمر عدة شهور حبا وتآنسا،وتأتي الزوبعة من حيث لا تدري مريم ،فهي لا تعرف ما خبأ لها القدر،ولم يرفع الستار لترى كل شيئ، شكوك بدأت تراودها مع أم زوجها لاله عائشة ، التي بدأت تتحاشها ولا تتكلم معها إلا في شكل سؤال وجواب، وأحيانا تتكلم بكلمات غامضة،إلا أن جاء ذلك اليوم التي قدمت الأخت الكبرى لمراد في زيارة لهم ،قلب مريم يتهرب من اخت زوجها لأنها تعاملها بتكبر وكأنها سلطانة ومريم خادمة كانت تقدم لها القهوة فتأمرها بصب القهوة ووضع السكر وتقول هاتها هنا! وهي لآلة متربعة على الأريكة التي غطتها بشحمها وسمنتها غير اللازمة، وفي ذلك اليوم أغلقت أم مراد باب الغرفة ، وبقيت مع ابنتها الكبيرة، واحتارت مريم في غلق الباب، وخاصة أن اخت زوجها لا تأتي بالخير أبدا،لا بد من طبخة تعد وتنضج ضدها، وربما وسوس الشيطان الأمر لمريم، وأخيرا سمعت الباب يفتح فاسترقت السمع لعلها تلتقط بعض الخيوط من الأنباء ،سمعت اخت زوجها تقول وبصوت مقصود ربما لتسمعه مريم : طبعا أخي مريض ليس من الفلاحة ولا من يبوسة الأرض وضرب الفأس ،إنما من العقاقير والغرغرة ،ناس لا يخافون الله ،وكانت امها تقول لها :لا ترفعي صوتك!؟ وهي تقول اتركي الناس تسمع،فنحن أذكياء ونعرف ما يدبر عند الشوافة .
لا شك أنها هي المعنية بكلام الأخت،لكنها لم تفعل شيئا فهي تقوم بواجبها نحو زوجها وأمه، وتقوم بالطبخ والغسيل،وترتيب البيت ونظافتها، وفتل الكسكس ،وكيلهم ربي إذا فعلا كان كلامهم عني يارب خذ الحق وامنعني من الشر واسترني أنا وزوجي.
وفي يوم مشؤوم، جاءت أم مريم لاله فضيلة لزيارة ابنتها وكذلك لاله عائشة،رحبت بها ابنتها وقدمت لها الحلويات والقهوة ،أما لالة عائشة فدخلت الغرفة، ويبدو على وجهها الضيق والغضب ،لم ترحب بأم مريم كالعادة حينما كانت تحتضنها وتقبلها وتسأل عن حالها وتهتم بها إلى أقصى درجة ،لكن هذه المرة كانت البرودة سيدة الموقف،أما مريم فكانت مشغولة في المطبخ، وإذا بها تسمع صوت أمها يرتفع مدافعة عنها قائلة: ابنتي بريئة، نحن لانعرف السحر ولا السحرة، تهمة باطلة،هذه مصيبة نزلت ، خافي ربي يالآلة عائشة،نحن أحباب ونسائب،إلا أن لاله عائشه تؤكد لقد رأيت السحر بنفسي أخرجه سيدي عمر ببركته ، كسر البيضة ،وأنا انظر ،وأخرج منها الحجاب، وكومة من الشعر وقطع رصاص،سحرتم ولدي مراد ،لذلك هو مريض، ومغمض العينين ولا يذكر إلا مريم، ويزيد تبادل التهم والشتائم ومريم مندهشة من الموقف! ولا تعرف ماذا تفعل! ولا إلى أي طرف تنظم وتميل،وتخرج لآلة عائشة عن عقلها وتصاب بهستريا تزبد ويحمر وجهها ولاتقدر على التحكم حتى في جسمها، وتطرد مريم وأمها: أخرجا حالا من داري وخذي ابنتك، الحية السامه،الأفعى خدرت ولدي وأصبح أعمى ودمية بيد مريم، البركة في سيدي أعمر ،كشف المستور،اما أم مريم فأمسكت بقول: حسبي الله ونعم الوكيل،حسبي الله ونعم الوكيل،وجذبت مريم من يدها ياالله ماذا تنتظري! اجمعي حوائجك الخفيفة، لقد طردتنا ،أليست لنا كرامة، وذعرت مريم ،تبكي وتسيل دموعها بدون توقف،واحمر وجهها يخيل للناظر أن الدم سينفجر من قشرتها البيضاء،إنها الصدمة والضربة القاضية،وأصبحت في دوامة ،حتى الصوت بدأ يخونها تتكلم ببحة: يا لآله عائشة،أنا مريم أنا ابنتك كذلك وانت أمي الثانية ،انا بريئه،والله بريئه،لا أعرف السحر وهو حرام ،ولماذا ألجأ إليه وأنا أعيش معكم بخير، ولم تلتفت إليها ،وأغلقت الباب بعنف حتى سمع صوته من بعيد.كانت مريم تمشي ورأسها دائما مائلا نحو البيت ،وتأمل في رؤية زوجها، هي لا ترى الطريق والدموع تسد عليها الرؤية،تتعثر وأمها تساعدها وتسندهاعلى كتفها وكأنها أصبحت معاقة لهول الصدمة المباغتة وبدون بوادر سابقة،ماذا يقول زوجها سينادي عليها ولا يجدها ،مريم، مريم ، أين أنت ،تعالي ومعك القهوة وسأقص عليك حكاية تعجبك، أين أنت؟
. وفي المساء يأتي مراد ويدخل غرفته ويبحث عن زوجته ولم يجدها ويسأل أمه وجدها تبكي ،ستلعب تمثيلية أخرى حتى تبدو مظلومة،وتؤجر دموع التماسيح لهذه الفرصة،قالت له باكية وهي تشكو من دوخة في راسها،طلع الضغط : لقد جاءت امها واخذتها معها ،وقد حاولت منعها،ولكنها رفضت وذهبت مع أمها، اتركها ياولدي إنها تستعمل السحر ووضعته في الأكل والقهوة،لكن سيدي اعمر كشف كل شيئ، شاهدت السحر في البيض بعيني هاتين ولم يقل لي أي واحد، صمت مراد وأغلق فمه بالكلاب ،هذه نكتة ! أمي تمزح لهذا الحد ! لكن فعلا مريم غير موجودة،وعاد بذاكرته لشهور سابقة حين سمع بالصدفة أخته الكبيرة تحدث الأم وتحثها على طلاق مريم،فهم اللعبة ،ولم ينطق بكلمة ،خرج مسرعا نحو أهل مريم ،يجري، يلهث ،ويحس أن حلقه جاف ، يود لو يجد قطرة ماء حتى يبلل لسانه،يركض ويطوي المسافات وهو يتمتم: فعلتها امي،ونسجت السيناريو وحاكت المسرحية، وتؤذي من؟ مريم ،زوجتي المسكينة،العاقلة،المؤدبة لا تؤذي بعوضة، سأخلصها من أمي وبطشها ،اصبحت أمي ثعبانا ،وأمه مازالت تتبعه وتقول ارم مريم أنا سأزوجك أحسن منها ولو بنت السلطان ،ووصل إلى باب الدار وشرع يضرب الباب بقوة،ولم يصبر حتى يأتي أحدهم ويفتح الباب ،لايملك صبرا هو خائف على مريم يا ترى ما حدث لها؟ إن شاء الله تكون بخير، هي رقيقة المشاعر ولا تحمل الظلم،والظلم ظلمات يوم القامة، آه ! واخيرا يفتح الباب،أين مريم! أين مريم!؟
Post A Comment: