بكامل جنونه ومجونه، ذهب مارادونا إلى الضفة الأخرى.
رحل "دييغو"، قطفة النعناع الأخيرة في فنجان أميركا اللاتينية.
ترك العشيقة الأولى، التي تهتف الآن في بوينس أيريس: اذكروا فضلَ لاعبنا عليكم.
لا بدَّ أنه يبحث "هناك" عن مستطيل أخضر، يحصُدُ فيه الفراغَ من الكون، بكرةٍ مستأنسة.
ربما يتأمل الكرات الذهبية المضيئة لمصابيح الشوارع، في حين يُسمَع حوله لحنُ أغنية الفلامنكو الساحرة "الطفلةُ التي من نار" لمانولو كاراكول.
بعض الانكسارات مضحكة؛ توقيتها يجعل منها نكتة.
لم يضحك أحدٌ هذه المرة.
فقد كان مارادونا أجمل ما يمكن أن تشهده حياتنا من شغب.
فتى الأقدام الماهرة، التي تخلق وتبدع وتنمو الموهبة الفطرية على أطرافها.
ولأن الظل أشد وقعـًا من حقيقته، فقد مدَّ هذا الفذ ظله على جيلٍ بأكمله. صفق له المجانين حين هزم الألمان، وصرخوا حين أذل الإنجليز، وبكوا حين سقط في اختبار المنشطات.
يقول لك: أنت تسميه الضجيج.. أنا أسميه حياتي. خذني بالتناقضات، وتذكّر "يد الإله".
من برشلونة إلى نابولي، ومن بوكا جونيورز إلى الوصل.. حياة غير روائية لبطل شعبي قصير القامة.
لورم المخ أثر الطلقة حين تشقُ الجلد وتخترق اللحم. شبت في جسده نارٌ، ثم سمع حفلة أصواتٍ غير بشرية.
في طفولته، كان يضرب بحذائه الأرضية الخشبية لغرفته الضيقة.
سار كثيرًا داخل زقاق ملتوٍ، متجاور الأبواب، بعضها مفتوح، يفضي إلى أثاث فقير، ومعظمها مغلق، مكتوب عليه، بخط رديء، أسماء سكانها.
عند مُنعَطفِ الزاوية، هناك عالمٌ آخر يتقنه: دهاء المراوغة بالكرة المنفوخة بالأمل.
ليس كل بسيطٍ سهلًا، لكنه ظل دومًا ذلك الدُورِيُّ الذي يُحلِّق تحت سقف سماءٍ واطئة.
أيها الرفيق الفطري لسحر الأهداف الماكرة: المنحوتات العظيمة من الحماقة أن تغطى بالسطور.
Post A Comment: