.             أ.د. سمير عبد الرحمن هائل الشميري

الشاعر فاروق شوشة (1936-2016م ) ، رقيق الحاشية رفيع الثقافة ، مبدع سكـر بخمرة الجمال ولامس الجــذر الإنساني في أعماقنا ، فهو صادق العاطفة والشعور ، يقطر عذوبة ورقة ويزخر بصدق العاطفة وحرارة الوجــد ، ويتميز بخيال فنــي خصيب وبكثافة الشحنة العاطفية وبرسوخ قــدمه في الشعر واللسان والبلاغة ، عشــق اللغة الجميلة التي تكون حسب تعبيره : " أكثر جمالاً حين تصــبح لغة قضيــة وفكــر ، لغــة إشعاع وتنوير ، لغة مُـثل عليا وقيم رفيعة نبيلة . عندئذ يكتمل جمال المعنى والمبنى " . 
في غميس حياته الإبداعية لم يســلم من الصقاعين ومنتحلي الفضائل ولا من حســد الحاسدين اللذين استوطنت الخسة في نفوسهم وذهبت عنهم مذاهب الحشمة ويقذفون من ألستهم المذمومات دون احتياط ، ولقد قال الشاعر/ محمود درويش في هذا السياق : 
" عندما تكون إنساناً عفوياً قد تقع في مشاكل لم تتوقعها ، لأن النقاء بداخلك لم يتوافق مع التلوث الذي تعج به عقول بعض البشر " . 
وكان محقاً الشاعر/ عمر الخيام حين قال :
صاحب من الناس كبار العقول      
واترك الجهال لأهل الفضول 
واشرب نقيع السم من عاقل
واسكب على الأرض دواء الجهول 
الشاعر فاروق شوشة لم يطيق نزعة التصنيف البائسة وأصوات الضجاجين أصحاب الألسن الطويلة الذين ينسبون إلى أنفسهم أســمى الفضائل وأحســن الشمائل  ويرمون الآخرين برصاصات مسمومة وبمقولات مرجوحة ويوزعون الصكوك الوطنية بينما هم غارقون في الرذائل يسجدون ويركعون لأهل الشوكة والقوة والمال حيث قال : 
خــدم .. خــدم ! 
وإن تبهنسوا 
وصعروا الخدود كلما مشــوا 
وغلظوا الصوت 
وطرقعوا القــدم !
خــدم .. خــدم 
وإن تباهوا أنهم 
أهل الكتاب والقلـم 
وأنهم في حلكة الليل البهيم 
صانعو النور 
وكاشفوا الظــلم 
وانهم – بدونهم 
لا تصلح الدنيا 
ولا تفاخر الأمم 
...................
......................
.....................
وفي قلوبهم .. 
أمراض هذا العصر 
من هشاشة 
ومن وضاعة 
ومن صغار في التدني 
واختلاط القيــــــم 
فاروق شوشة مكين في الشعر والنثر وفي حفر المناطق الغويرة في اللاوعي وكتاباته اللامعة سيخلدها الزمن ونحن في الذكرى الثانية لوفاته ( توفى يوم الجمعة 14/ أكتوبر /2016 م ) ، نتذكر إبداعاته بألوانها الطيفية وصوته الفاخر بجرسه الأنيق الذي يعطي للكلمة ارتفاعاً محموداً بروح شاعرية ماهرة نابضة بالجمال والحيوية واللذة الحسية والروحية . 
لقد أومأت قبل حين : أن المبدع فاروق شوشة مات وهو في كامل عطائه وتوهجه الشعري والفكــري المترع بالذوق والجمال والبهاء ، فهو صاحب صوت متفرد بأسلوبه ومهارته الفنية وبرسائله المشفرة وبحزنه الجليل . 
ستبقى أعماله مشرقة في جبهة الزمــن تحمل الســحر والنظارة وحافلة باللمعات الإبداعية ومصــدراً للرقي الروحي وتنمية الذوق الجمالي وإعلاء قيمة الوجدان .
لا تطاوعني نفسي على ذرف الدموع على شاعر مرح سابح في ملكوت الروح يطفق في فضائنا الروحي والإبداعــي في حياة مـديدة الرحاب ، وكأن لسان حاله تقول كما قال جمال الدين الرومي : 
عندما ترون جثماني 
لا تبكــوا لأنني أرحل 
أنا لا أرحل 
أنا أصــل 
إلى الحب الخالد 
عندما تتركوني في القبر 
لا تقولوا وداعاً
تذكروا أن الــقبر 
ليس سوى ستارة 
وأن الفردوس يكمن خلفها

                         الشاعر فاروق شوشة 




Share To: