لا شك بأن ظهور وانتشار الفيسبوك هو بمثابة فضيحة كبيرة لصناعة نشر الكتاب الورقي في العالم العربي خاصة في ما يتعلق بالأدب الذي تكتبه المرأة.
في حدود هذه الصناعة، كان، ولا يزال، حضور المرأة أقرب الى ان يكون رمزياً قياساً الى حضور الرجل الكاتب. وكالعادة كان هناك من يقدم تفسيراً للامر، ايجابياً حيناً وسلبياً أحياناً، ولكن غالباً من دون التطرق الى حقيقة أن الدور النشر هي، مثل غالبية المؤسسات العامة والخاصة، ذكورية من حيث الملكية والادارة والسياسة.
كلنا، ولا اعني دور النشر فحسب وانما الصحافة والمؤسسات المعنية بالثقافة والمهرجانات الأدبية، كنا نعلم بأم المرأة تكتب. ومن المحتمل أنها تكتب بانتظام وأكثر من الرجل. ولكن اين هو النص الذي تكتبه؟ لماذ ينحصر بعدد قليل جداً من الأسماء؟ لا أحد طبعاً أبدى اي اهتمام يُذكر ليثير السؤال حول مصير النص الذي تكتبه المرأة.
ثم فجأة ظهر الفيسبوك، وسيلة نشر سهلة وفورية، وطبعاً في متناول الجميع خاصة المرأة. ومثل سيل هادر وصل النص الذي تكتبه المرأة. كل ما كان مخبأ في الأدراج والخيال والقلوب وصل دفعة واحدة.
كيف قوبل هذا الظهور؟ بالاستخفاف والتشكيك.
طبعاً كل ما ظهر ويظهر على الفيسبوك غالباً ما يُقابل بالاستخفاف والتشكيك بمعزل عن هوية الكاتب. هذا الموقف هو الموقف الرجعي التقليدي ازاء كل ما هو جديد سواء، لطبيعة النص أو وسيلة النشر. هو مثل كل المواقف الرجعية السابقة سينتهي الى مكانه الطبيعي في أرشيف المواقف الساذجة والخاطئة (بمعى الخطأ والخطيئة معاً)
طبعاً هناك من سيقول بأن أكثر ما يُنشر على الفيسبوك من نصوص أدبية، شعراً ونثراً، رديء. صحيح! ولكن من قال لك أن أكثر ما نُشر ويُنشر بواسطة الصحف والكتب الورقية ليس رديئاً أيضاً؟
اشتغلت في الصحافة الأدبية لما يزيد على عشرين عاماً. الكتابة عن الكتب كانت مهنتي، ومعظم الكتب التي كانت تصلني، كانت اما رديئة او منذورة للاحساس بالندم والنسيان. القليل جداً، ان لم أقل النادر، كان يحمل علامة الصمود في وجه امتحان الزمن.
بدأت حسابي على الفيسبوك قبل خمسة أعوام فقط. وفي غضون هذه المدة القصيرة نسبياً قرأت من النصوص الادبية الجيدة لكاتبات عربيات ما يفوق، في الكم والجودة، عشرات ما كنت قد قرأته على مدى عقدين من الزمن أو يزيد. عدد الشاعرات اللواتي تعرفت عليهن من خلال الفيسبوك، وبعضهن أصدرن كتب ورقية، هو أضعاف ما عرفت خلال عملي في الصحافة الأدبية.
أين هو أو اين كان النص الذي تكتبه المرأة؟ كان حاضراً، في الغياب، خلف الحجاب والنقاب (السجع غير مقصود هنا) المفروض عليه من قبل المؤسسات الذكورية بمن فيها تلك المؤسسات التي لا تني تمجد قيم عصر الأنوار والحرية والتحرر.
الاكتشاف الأهم بالنسبة لي، هو امكانية كتابة نصّ جيد، لا يحتاج الى أن ينحني أولاً أمام هذا الأب الروحي أو ذاك. مثل كل من يدخل العالم الأدبي من الرجال، كان لا بد لي في البداية من اتخاذ بعض الكتّاب، الذي قرأت لهم وتأثرت باعمالهم، معلمين وشيوخاً وآباء روحيين. خلف كل نصّ كتبته كان السؤال: ترى ماذا سيكون رأي معلمي أو شيخي أو أبي الروحي في هذا النص؟ بعد بضعة اعوام، بعد بلوغ طور الفطام، لا تعود بحاجة الى طرح سؤال كهذا ولا الى شيخ أو معلم أو أب روحي. تتخلص منه، تطعنه في الصدر أو في الظهر وتكمل الطريق لوحدك.
في نصوص العديد من الكاتبات والشاعرات اللواتي قرأت أعمالهن على الفيسبوك، لم أجد أثراً يًذكر لمثل هذا "الطقس الذكوري" اتخاذ كاتب ما معلماً أو شيخاً أو أباً روحياً ومن ثم التخلص منه في ما بعد. ربما لان علاقة المرأة بوالدها، خلافاً للرجل، ليست رهينة "عقدة قتل الأب". ربما لأنها من العمق والتعقيد بحيث لا يمكن اختصارها في معادلة بسيطة مثل "الخضوع أولاً والتمرد لاحقاً". وربما لأنها امرأة، لانها الأصل، والأصل لا يحتاج الى أن يقلّد الفرع، أن يحاكي من أعطاه الولادة أصلاً. والله أعلم، ونصف العلم، على ما يُقال، الله أعلم!
Post A Comment: