-لا يوجد أشجع مني ، ولا أمهر مني في فنون القتال ، وذلك  بشهادة  الملك الصالح نجم الدين أيوب  رحمه الله ، وما كان أحد يدانيني في القيادة والريادة ، غير الفارس أقطاي وقد مات ولقي مصرعه ٠

-كانت هذه هي كلمات عز الدين أيبك ، لجيشه بعدما اعتلي سدة العرش،  بعد زواجه من شجر الدر  ،أرملة الملك الصالح  ظنت بزواجها من ايبك  الحماية لها وأنها تستطيع حكم،

 البلاد والعباد  ،ووظنت أيبك لا يزال ذلك  المملوك  الضعيف ،  طوع أمرها وأمر زوجها الملك الصالح ، ولكن الأمر الآن قد اختلف تماما 
فقد شمر أيبك للسلطنة واشتمر  ؛وكشّر عن أنياب  له دفينة طيلة هذه السنين ،

-أيبك وبعد أن انصرف الحضور   وما زال جالس علي عرشه في قاعة المرمر المتسعة  ، يقلب نظره في لوحة جدارية  من الفسيفساء  الأزرق ، علي الجدارالمقابل لجلسته ،

 فترجع به ذاكرته إلي عهد قريب به ، حيث كان يقف زنهارا  ،ينتظر أوامر سيده نجم الدين أيوب  ، فتشده قطع الفسيفساء هذه وتأخذ بصره ، فيتأمل الملحمة المنقوشة عليها معبرة عن إحدي معارك الملك الصالح الطاحنة ،  والتي انتصر فيها علي أ عدائه وخصومه  معا ، وأثناء تذكره كل هذا ومرور تلك الخواطر علي نفسه ؛
ينتبه علي حفيف ثوب حريري يلامس ذيله  الأرضية  المرمرية ، يصاحبه  وقع أقدام ذات إقاع منغم بملامسة المرمر فيتردد أثر الخطي في القاعة،  فينتبه أيبك ويفيق من استرجاعه علي صوتها ، انها شجر الدر :٠

- العرش مهيب بك يا زوجي العزيز ، أقصد السلطان عز الدين أيبك ٠

-أيبك :بل أنا من زاده مهابة ياشجر الدر ؛تخلصت من أعدائي والخونة ، وخلص لي الأمر 
هكذا يجب أن تقولي ياشجر الدر ٠

-شجر الدر : وأنت يا أيبك لا بد أن تذكر أنني أنا شجر الدر ، أو شجرة الدر كما يقول العامة أنني من وضعك هنا علي عرش مصر ، 

-أيبك : أو تجرئين أيتها الجارية ، كيف تخاطبين السلطان هكذا يامرأة ؟

-وكيف تتجرأ أنت أيها المملوك  السلطان ،وتأمر باستبدال خاتمي بخاتم لك علي الأوامر السلطانية ؟
 
-يتوهج وجه ايبك غضبا من قولها ،فيخرج عن طور مخاطبة الجميلات فيصرخ في وجهها ليزلزل أركان القصر بصوته الخشن :

-لأنني أنا السلطان ولا سلطان للبلاد غيري ، وأنت جاريتي زوجتي،  ولي أن أتزوج غيرك أو أبيعك لأحد النخاسين  ،فلا شأن لك بأمور السلطنة ، عليك أن تهتمي بفراشي وحسب ،وإلا فسوف تريّن مني أيبك  مهلك قاتل ٠

- وبنغمة صوت متهدج  رقيق تضفر بالحيلة والرجاء تقول شجر الدر 

-أنت مولاي ومليكي وسلطاني بل وسلطان الأرض،  ولا يدانيك في هذه المنزلة غير شيخنا العز بن عبد السلام  ،فهو سلطان العلماء وأنت سلطان الأرض  ، و زوجي وقرة عيني وملكي ومليكي ، وأعدك أني لن أتدخل في شؤن السلطنة من اليوم ، فلا تغضب مني فإني لا أريد سوي رضاك وصلاح العباد والبلاد

-وتقترب من أيبك وتهمس في أذنيه :

-سوف أعتني بك الليلة وبفراشك وهذا شرف فأنا أنتظر مولاي وسلطاني ؛كي يتخفف من عناء الحكم  الرعية، بين ذراعيّ شجر الدر ٠

- ثم تقبله في دلال وتنصرف تجر الحيلة والمكر بين أطراف ثوبها الوردي ،
ويسدل الليل ستاره ، وقد أرهق السلطان  في ذلك اليوم فكثرت الشكايات ، و احتجت  الرعية لفرض الضرائب الجديدة   وصرخ التجار والباعة من المكوث والضرائب ،

-وما إن خلت القاعة وانصرف الناس ،هرول أيبك إلي جناح زوجته شجر الدر التي وعدته بكل الراحة في مخدعها ، فانطلت عليه الحيلة من حيته الرقطاء ،التي ألتفت حوله وما إن ملكت زمام أمره ألقت به إلي ثلاثة  رجال أشداء وقد توارو خلف أستار حجرتها ،  في انتظار الإشارة ، حتي انقضوا علي أيبك فطعنوه  بسيوفهم فأخذ يزحف وهو   ينزف من جروح شتي وطعنات غائرة ،  في جسده العاري فوق أرضية مرمرية  باردة ، لم تتشرب الدم  ،  حتي تجرأ أحدهم ليخلصه من تلك المعاناة والآلام ففصل رأسه عن جسده بضربة من سيفه ، وتم التخلص من السلطان المملوك خارج القصر  ، وجاء الخدم يكفكفون دم المملوك ، لتظهر ثانية  زرقة المرمر ولمعانه ٠

" تمت "



Share To: