أيمن دراوشة 
 
( 1 )
أجرح قلبي، أسقي من دمه شعري، تتألَّق جوهرة في قاع النهر 
الإِنساني، تطير فراشات حمر، تولد من شعري، امرأة حاملة قمرًا 
شيرازيّا في سنبلةٍ من ذهب مضفورٍ، يتوهج في عينيها عسل الغابات 
وحزن النار الأبدية، تنبت أجنحة في الليل له، فتطير، لتوقظ شمسًا 
نائمة في حبات العرق المتلألئ فوق جبين العاشق، في حزن الألوان 
المخبوءة في اللوحات: امرأة حاملة قمرًا شيرازياًّ، في الليل تطير 
تحاصر نومي، تجرح قلبي، تسقي من دمه شعري، أتعبد فيها: فأرى 
مدنًا غارقة في قاع النهر النابع من عينيها، يتوهج سحر عسليٌّ يقتل 
مَنْ يدنو أو يرنو أو يسبح ضد التيار. أرى كل نساء العالم في واحدة 
تولد من شعري. أتملَّكه، أسكن فيه، أعبدها; أصرخ في وجه الليل 
ولكن جناحي يتكسر فوق الألوان المخبوءة في اللوحاتْ 



( 2 )
مجنونًا بالنهر النابع من عينيها 
بالعسل الناريِّ المتوهج في نهر النار 
أسبح ضد التيار. 
( 3 )
أكتب تاريخ الأنهار 
أبدؤه بطيور الحبِّ وبالنهر الذهبيِّ الأشجار. 
( 4 )
بدمي يغتسل العشاق 
وبشعري يبني الغرباء 
في المنفى (شيراز).
( 5 )
أتملكها، أسكن فيها 
أعبدها 
أرسم في ريشتها مدنًا فاضلة يتعبد فيها الشعراء.
( 6 )
مجنونًا بالنهر النابع من عينيها 
بالسيل الجامح والفيضان 
باللهب المفترس الجوعان 
أسبح من غير وصول للشاطئ، أغرق سكرانْ. 
( 7 )
الشيرازيِّ الأخضر فوق البوَّابات الحجرية يبكي، يتدلَّى من أغصان 
حديقتها ويظلُّ وحيدًا يتعبد فيها ما كان يكون حياتي كانت في 
الأرض غيابًا وحضورًا تملؤه الوحشة والترحال وأشباح الموتى. كوني 
أيتها المشربة الوجنة بالتوت الأحمر والورد الجبلي الأبيض. زادي في 
هذي الرحلة كوني آخر منفى وطن، أعبده، أسكن فيه وأموتْ 
( 8 )
قولي للحب (نعم) أو قولي (لا). 
( 9 )
قولي (ارحل!) فسأرحل في الحال 
قولي (أهواك) 
أو قولي (لا أهواك) 
( 10 )
قنديلا ذهبٍ عيناك 
ويداك شراعان.


( 11 )
أُخفي فاجعة تحت قناع الكلمات، أقول لجرحي 
(لا تبرأ) ولحزني (لا تبرد) وأقول (اغتسلوا بدمي) للعشاق. 
( 12)
تلتهم النارُ النارَ وتخبو أحزان العشاق الرحَّل في صحراء الحب وتبقي 
(شيراز) ونبقي نرحل في الليل إليها محترقين بنار الحزن الأبديَّة، تنبت 
أجنحة في الفجر لنا، فنطير، ولكنا قبل وصول الركب اليه، نتملَّكها 
نسكن فيها، ونعودْ. 
13
وجدوني عند ينابيع النور قتيلاً، وفمي بالتوت الأحمر والورد الجبلي 
الأبيض مصبوغًا وجناحي مغروسًا في النورْ 
[ من ديوان (قمر شيراز) ]

منذ بداية القصيدة يتراءى لنا أنَّ الشاعر عانى من تجارب مريرة أثناء ترحاله وسفره، وشيراز الشاعر هي مدينة إيرانية التي يبدو تعلق الشاعر بها نتيجة ذكريات أرقته، وعندما عاد لموطنه “العراق" الأصلي حاول القيام بعملية أسباب استرجاع للماضي، وربما أحس الشاعر استحالة العودة إلى شيراز لأسباب سياسية أو أخرى، ولذلك تظهر لنا العاطفة في القصيدة قوية تعر عن الحزن والألم، وهذا ما يبدو لنا واضحا في بداية القصيدة حيث يقول عبد الوهاب الياتي مستخدمًا ضمير المتكلم "أنا" 
أجرح قلبي، أسقي من دمه شعري، تتألَّق جوهرة في قاع النهر 
الإِنساني، تطير فراشات حمر، تولد من شعري، امرأة حاملة قمرًا 
شيرازيّا في سنبلةٍ من ذهب مضفورٍ، يتوهج في عينيها عسل الغابات 
وأول الملاحظات على النص أنَّ الشاعر قد اتخذ عنوانًا مكونًا من كلمتين هما: قمر وشيراز وهاتان الكلمتان تكشفان كشفًا دقيقًا على أن الشاعر هو وليد تجربة ومعاناة، وهذا يفصح لنا عن حس الشاعر العميق وثقافته حينما أحسن هذا اختيار هذا العنوان لقصيدته.
فشيراز هي المدينة الفاضلة بالنسبة للشاعر، والقمر هو رمز جمال هذه المدينة، كما هو رمز بُعدِها عنه، وبين شيراز والقمر تشابه كبير.
وعبد الوهاب البياتي هنا لا يلخص لنا تجربته في بيت واحد، وإنما يضع لنا الأسباب والعوامل التي حركت في نفسه هذه الرؤى، فبدأ قصيدته بالفعل " أجرح" وهذا الفعل يتفجر إلى الدم، وهذا الدم هو الذي يسقي شعر الشاعر، فالأفعال المستخدمة في القصيدة تدل على الحركة كي تستمر وتتلاحق حتى نشعر وكأنه يبحث عن شيء مفقود ربما يكون مدينة شيراز، هذه المدينة التي ارتبط بها عبد الوهاب ارتباطًا وثيقًا لدرجة العشق، والتي يبدو أنها منفى الشاعر عبد الوهاب البياتي، التي خرج منها بعد أن تعلق بها فأصبحت مدينة بعيدة المنال، فيعبر لنا عن عشقه لها حينما يوظف لنا امرأة ساحرة الجمال فيستعير منها عناصر داخلية مثل العينين والوجه وعناصر خارجية مثل قمر شيراز ونهر النار وغيرهما ...
والمرأة التي يتحدث عنها الشاعر ولدت من فصيلته فوظفها كي يستعير منها العناصر التي ذكرناها سابقا، كما يتولد عن هذه المرأة أيضا أمكنة أخرى مثل ينابيع النهر والمدن الفاضلة.
أما استخدام الرمز فيتوفر بكثرة في ديوانه عامة، فنراه في قصيدة قمر شيراز يقول: 
أتملكها، أسكن فيها 
أعبدها 
أرسم في ريشتها مدنًا فاضلة يتعبد فيها الشعراء.
ويقول أيضًا: 
بدمي يغتسل العشاق 
في المنفى (شيراز).
وهنا نرى أنَّ شيراز هي مكان منفى الشاعر، امَّا الغرباء فربما يكون المقصود هم المنفيون من اوطانهم كحال الشاعر نفسه، أمَّا المدن الفاضلة فلا ندري أيَّ مدن يقصدها الشاعر هل هي مدن العراق؟ أم مدن أخرى قد زارها الشاعر وتعلق بها.

ويستمر الشاعر في عشقه لمدينة شيراز فنراه يستخدم أسلوب التكرار والصور الجميلة الفنية، والمحسنات البديعية أحيانًا، وكل هذا أضفى على القصيدة موسيقى وجمالًا مما خدم المعنى، ومثال على ذلك تكراره لقوله " مجنونًا بالنَّهر النابع من عينيها" حيث تكرر هذا الشطر في الجزأين الثاني والسادس من القصيدة، وقوله أيضًا: " أهواك ولا أهواك، ونعم، لا، وغيابًا وحضورا"

إنَّ الوجود في المنفى يعني الانقطاع عن الوطن فترة طويلة، وهذا يعني أنْ يرتبط الإنسان بمنفاه لدرجة تحوله لوطن بديل له.
يقول:
"أُفرد أجنحتي وأطير إليها في منتصف الليلِ، أراها نائمة تحلم بالقمر"
فمدينة شيراز التي يريد الشاعر أنْ يطير إليها ما زالت تسكن داخله، وتحرك خياله، بمستويات مختلفة.






Share To: