.                            نورالدين الغطاس


"الشعراء يخافُون أن تُصبحَ الأرضُ غير رومانسية من جراء التَقَدُّم"*
 إِيرِشْ كِسْتْنَرْ

توطئة:
يقول الألمان "لديّ فراشات في بطني"، وهو ما يعني أن إنسان ما وقع في حب إنسان آخر، وكأن الحبُ ينشأُ في البطن، أولاً. سنوات الإحساس بالفراشات في البطن جميلة، العُشاق يرتدون نظارات وردية، لا تسمحُ برؤية عيوب المحبوبة أو المحبوب. لكن مع مرور الوقت قد تعرف العلاقات الحميمية خمولا تدريجيا. الإحصائيات بألمانيا تؤكد أن السنة السابعة، وما حولها، مشؤومة، غالبا ما يقعُ فيها الفراق بين العاشقين أو الزوجين.

إذن، ما العمل إذا غابت تلك الحركة التي تدفعُ الإنسان الى لقاء الآخر؟

ضيفي اليوم، كاتب وشاعر أُحبهُ كثيرا، أعتبرُ إِيرِشْ كِسْتْنَرْ من رواد النثر الألماني، عُرف بكلماته المختزلة، الحادة والذكية، كتبَ القصيدة النثرية التي بين أيدينا سنة ١٩٢٨م، وثّق، بحزن ودفء، فراق زوجين بعد ٨ سنوات من الحياة معاً. في الحقيقة، لا وجود للرومانسية الواقعيَّة كما سمّاها إِيرِشْ كِسْتْنِرْ، لأنّ كل رومانسية (سنوات الفراشات) لا تعترفُ بالواقعيَّة، لكن شاعرُنا أرادها كذلك!

تُصنَّفُ أعمال إِيرِشْ كِسْتْنَرْر النثرية في إطار ما يُسمَّى "الواقعيَّة الجديدة"، حركة النثر الألماني بين ١٩١٩-١٩٢٩م. آنذاك كُتبت الروايات وكأنَّها رُوبُرْتَجَات، أما الشعراء فقد قرَّروا الكتابة بتَقَشُّف من مكان محايد، بنوا بينهم وبين النّص مسافة كبيرة، الشاعر يتحوّلُ الى مراقب، همُّهُ الوحيد هو الوصف بدون أي مطَّاطِية في الكلام، القصيدة تقرير حول غياب الأحاسيس، ورد فعل على بيع المشاعر في سوق الحياة، أحبُ بشكل قوي هذه الحقبة من النثر الألماني التي أنتجت الجميل، الجميل (من بينهم كذلك مَاشَا كَالِكُو...).

عندما يغيبُ الغَرَام، يعمُّ الصمت. الصمت لغة صارخة أقوى من الكلمات. فقط، ملاحظة واحدة وأترككم مع النّص. الأبيات الأربعة الأولى تبوح بكل شيء، بعد ثماني سنوات، ضاع الحُبّ كما تضيعُ القُبعة...، وهو الّذي قال "ديوان شِعْر يحتاجُ إلى قصائد متميِّزة، لا يستطيع الشاعر كتابة الكثير منها"*، والقصيدة هاته، من أجمل ما صنعهُ النثر الألماني، بامتياز. / نورالدين الغطاس
                                                         *******

الرُومَانسية الواقِعِيَّة | إِيرِشْ كِسْتْنِرْ | ألمانيا
ترجمة من الألمانية إلى العربية: نورالدين الغطاس

ثماني سنوات، يعرفُون بعضهم البعض
(يُمْكِنُ القَوْل: أنَّهم يعرفون بعضهم البعض جيِّداً)،
فجأة، ضاع حُبُّهُمَا.
كما يضيعُ العُكاز أو تضيعُ القُبَّعة، للآخرين.
كانوا حزينين،
بمرحٍ، يخضعون بعضهم البعضْ،
يحاولون قبلات، وكأنّ شيئاً لم يَقَعْ،
يُحَمْلِقون إلى بعضهم البعضْ،
ولا يعرفون ما يفعلون بعدْ.
أخيراً، بَكَتْ، وهُو بجانبها.
عبر النَّافدة، يُمكنُ التَّلويح للسُفن.
قَالَ، قد تكون الرابعة والربع،
حان وقت ارتشاف قهوة بمكان ماَ.
بجوارهم، يَنْقُرُ شخص على البيانُو.
يجلسون بأصغر مقهى بِقريتهم
يُحركون في فَنَاجِينهم.
حلَّ المساء، وهم مازالوا قَابِعِين هُناك.
وحيدين، لا يتكلمُون

لا يستطيعُون إدراك ماَ وَقَعْ.

                                                            *******

Sachliche Romanze I Erich Kästner I Deutschland

Als sie einander acht Jahre kannten
(und man darf sagen: sie kannten sich gut),
kam ihre Liebe plötzlich abhanden.
Wie andern Leuten ein Stock oder Hut.
Sie waren traurig, betrugen sich heiter,
versuchten Küsse, als ob nichts sei,
und sahen sich an und wußten nicht weiter.
Da weinte sie schließlich. Und er stand dabei.
Vom Fenster aus konnte man Schiffen winken.
Er sagte, es wäre schon Viertel nach Vier
und Zeit, irgendwo Kaffee zu trinken.
Nebenan übte ein Mensch Klavier.
Sie gingen ins kleinste Cafe am Ort
und rührten in ihren Tassen.
Am Abend saßen sie immer noch dort.
Sie saßen allein, und sie sprachen kein Wort

und konnten es einfach nicht fassen.
                                                   

                                              *******

إِيرِشْ كِسْتْنِرْ (١٨٩٩-١٩٧٤م)
Erich Kästner (1899-1974)
كاتب، شاعر، صحفي، كاتب السيناريو، خصوصا في أدب الأطفال، ولد بمدينة دْرِسْدَنْ الألمانية، يوم الثالث والعشرون، فبراير سنة ١٨٩٩م، من عائلة متواضعة جدا، الأب سرّاج والأم حلاَّقة، كان تلميذا متميزا، بدأ الكتابة في مجلة المدرسة، واصل تفوّقه بالجامعة، حصل على الدكتورة سنة ١٩٢٥، عان كجندي بالحرب العالمية الأولى، مما جعله يرفضُ الحرب ومن الناشطين المعارضين لها، نشر أول ديوان له  "قلب على خصر"* سنه ١٩٢٨، حقق ديوانه نجاحا كبيرا، نثر جديد مليء بالنقد الذكي، الحدة والدفء، نبغ كذلك في كتابة أدب الأطفال حيث حققت كتبه شهرة كبيرة بالداخل والخارج، من أشهرها "إِميلْ والمُحقِّق"* سنة ١٩٢٩، تُرجمتْ الى أكثر من ٤٠ لغة كما تم تحويلها الى أفلام، بسبب كتاباته الناقدة تم التحقيق معه واعتقاله من طرف النازية، وصلتْ دروة هذا القلق إلى حرق كُتُبِهِ علناً، وأمام أعينه، من طرف النازيين سنة ١٩٣٣، كما تم طردهُ من اتحاد الكتاب الألمان، رغم أنَّه حاول الكتابة بأسماء مستعارة تم منعه كليّاً من الكتابة داخل ألمانيا، رغم ذلك لم يُهاجر على عكس الكثير من الكٌتاب آنذاك، يُقال، أنَّه مَكَتَ بألمانيا من أجل أمِّه التي كان له معها علاقة وطيدة، رواياته، مثلا "ثلاث رجال في الثلج"* سنة ١٩٣٤ نُشرت خارج ألمانيا، واصل الكتابة بعد الحرب العالمية الثانية في الكثير من المجالات، الصحافة، النثر، المسرح، أدب الأطفال، الرواية...، تعتبر كتاباته إبداعا سابقا لعصره، حصل على جوائز وأوسمة عديدة، علاقاته مع النساء لم تكن ناجحة، لم يتزوج، خلَّف ابنا واحدا، في التاسع والعشرون من يوليو سنة ١٩٧٤ توفي إِيرِشْ كِسْتْنِرْ بمدينة مْيُونِخْ عن عمر يناهز ٧٥ سنة. / نورالدين الغطاس



                   إِيرِشْ كِسْتْنِرْ ١٩٣٣م





Share To: