يحتد الملك في أثناء حديثه مع وزيره فينهض واقفا ويترجل عن عرشه بعض الخطوات فيقترب من الوزير  قائلا :

- إن الفقراء هم من ألبسوني هذا التاج الذي يزين  رأسي  ،فكيف لي أن أحرمهم  حقوقهم  وأعطيها للنبلاء ؟

-أرشيدوق:ياسيدي الملك  إن حاجة المملكة  إلي النبلاء أكثر من حاجتها  لأمثال هؤلاء السوقة من الدهماء والفقراء ٠

-الإسكندر :كيف تفكر هكذا  أيها الوزير  ؟؟ إن هؤلاء السوقة علي حد تعبيرك هم سواد المملكة الأعظم فهم الأغلبية وهم  الرعية وأنا المسؤل عنهم، وإن حاجتهم إلي العدل والنصرة والحق في  الحياة لا تقل عن حاجة النبلاء الذين أمتلأت خزائنهم بالأموال وبرزت كروشهم فأصبحوا كفرسان حُبلى من   التخمة والشبع ؛  فكيف أحارب وأقاتل  وأنتصر بهؤلاء المتخمين ؟ ؛ فالفقراء هم من تقوم علي  أكتافهم مملكتي وأي مملكة في الدنيا لا تنهض إلا بسواعد هؤلاء ؛ كما أن إخلاصهم للمملكة ولمليكم ألمسه بنفسي!!

*ويتابع الإسكندر الحديث وما زال الوزير مبهوتا  بما يسمع :

- أيها الوزير إن ضمائر هؤلاء النبلاء  سرعان ما يشوبها التغير فتميل كأشجار الشوك مع كل ريح، أو عند رؤيتهم لبريق  الذهب !!! وإنهم   إن تمكنوا وسنحت لهم الفرصة لجلسوا مكاني هنا علي هذا  العرش!

*يغرق  الوزير أرشيدوق في صمته  مطأطئ الرأس ؛  فيصيح الإسكندر  ليتردد  صدى صوته  في قاعة العرش  :

-اسمعني جيدا  يا أرشيدوق ؛إن أغلب  جيشي وجنودي من طبقة الشعب والعاملين الكادحين وإن هؤلاء  الفقراء  وأنا أعرفهم جيدا لا يتوانون لحظة في القتال  أوالدفاع عن مملكتهم ومليكهم ؛ولا تنسى ياأرشيدوق أنني صنعت منك وزيرا ومستشارا خاصا أنك جئت من هذه الطبقة الفقيرة ، بل الغارقة في القاع   هل تذكر ذلك أم أنك نسيت ؟

* في هذه اللحظة يشعر أرشيدوق بالخزي فقد تجسد له ماضيه في لحظة والذي حاول جاهدا أن يطمره ويهديه للنسيان و يستطرد الإسكندر  قائلا :

- قل لي ياأرشيدوق ، من بني وشيد مدينتي هذه "الإسكندرية" عروس البحر وحاضرة الدنيا   ؛    مَنْ ؟؟ فهل كان  يحمل هؤلاء النبلاء والأمراء الأحجار علي أكتافهم مثلما فعل العمال والبسطاء  ؟ كلا ٠٠ ٠٠ياأرشيدوق 
 إن أعظم شئ كان  يقوم به هؤلاء  النبلاء  هوالمشاهدة  ،ثم  التثاؤب؛ و الجلوس  تحت الظل !!  !!أليس كذلك ؟؟

يقترب الإسكندر فيقبض بيديه القويتين فيمسك بتلابيب رداء أرشيدوق ورقبته  فيحكم  قبضته فتأخذ الوزير نوبة من السعال  المختنقة أنفاسه ؛ ولا تزال القبضة مُحكمة بثوبه و عنقة وكاد يختنق فعروة الرداء الحريري  تحولت في لحظة إلي مشنقة لولا  أن   أفاق الإسكندر من سكرة غضبه  وتركه وهو يقول : 

- اللعنه كل اللعنة ياأرشيدوق  علي  المنصب والكرسي  الذي يغيِّر النفوس  ،فيعميها عن تذكر  منبتها ومشربها وأصلها ، فما أحقر ذلك الحرير  علي أجسادنا  إن هُضم  بيننا الضعفاء !! !!

-أرشيدوق وبصوت متهدج مبحوح:

-الحق  ما قولته ياسيدي الإسكندر العظيم  إنهم كذلك بالفعل مخلصون لك ولتاجك ومملكتك  ولكن٠٠٠٠٠٠٠٠٠

*يقاطعه الإسكندر غاضبا  :

-ولكن ماذا ؟٠٠ النبلاء أليس كذلك ؟ماذا بهم؟؟ يريدون إقطاعات جديدة عن كل أرض نفتحها ويريدون ثروة فوق ثرواتهم ،إنهم غاضبون متزمرون أليس كذلك أيها النبيل  ؟؟؟

-:نعم ياسيدي الملك  هم كذلك فقد غضبوا من عدم منحك لهم أُعطياتهم عن كل نصر وكل أرض تدخل في حوزة المملكة ؛كما أنهم ضد إمتلاك الشعب للمساحات الشاسعة من الأراضي  الحقول ٠

-الإسكندر :ياويح أمي، لم يبقي إلا أن يقتسم معي هؤلاء النبلاء  فراشي ورغيفي ، فما أغبى هؤلاء !!؛إنهم حمقي في زي نبلاء ؛ماذا يظنون؟  أأنحاز إليهم!! وأتخلي  عن  شعبي ؛ فيصبح الفقراء  فاكهة لهؤلاء الغربان ، يتحكمون في مصائرهم  وينهبون أقواتهم ، حينها إذا تكون النهاية ؛ نهايتي ياأرشيدوق ونهاية مُلكي ، فما ضاع مُلك إلا  بضياع  الفقراء ؛وما توطدت أمة  وبقيت إلا بإقامة الحق والعدل  فيها  ٠
       " تمت"



Share To: