أنا أول مُغترب يمني في السعودية يُصاب بفايروس كورونا ، كنتُ لا أحب أن أكتب حول هذا لعدة أسباب ، أخافُ أن تقرأ حبيبتي الخـبر فتهجرني وتبتعد عني وتتركني وحيداً خوفاً على روحها ولكي لا تُصاب بهذا الداء رغم أنني أصبحتُ خالي من المرض ، أخافُ أن تطاردني الدولة وتتهمني بأنتي أول من أتيتُ بهذا الداء إلئ اليمن فتسببت بمغادرة كثيراً من الأرواح ولكي لا يقتلني ولد جاري الذي توفى بكورونا، هأنذا أول مرة أفصح وأقول إعترافي، سأكتبُ لكم حقيقتي وتجربتي مع هذا المرض اللعين كلُص، المُفزع كلُغم ، المُرعب كشرتٍ كهربائي، القبيح كزاني، المنبوذ كرجُل دينٍ ذكيٍ بالتكفير غبيٍ بالتفكير .
كنتُ أشتغلُ كاشيرٍ في أسواقٍ للمواد الغذائية، أستقبلتُ زبوناً صينياً حين أتى بعربيته وأغراضه، مررتُ جميع القطع على الجهاز، وحين أتى موعد دفع النقود عَطس في وجهي ، قام بِنقل الفايروس إليَ في ظرفِ ثواني، شعرتُ بالصُداع الحاد ، وضيق بالتنفس وإرتعاش في القدمين، فقدتُ حاستي الشم والطعم ، ضعف نظر عيني، داهمني الأرق، ظليتُ شارداً لنصف شهر، كرهتُ العمل ، أبتعدتُ عن أصدقائي وأحببتُ الوحدة وأنعزلت وأنا على يقينٍ بأن حالتي الطبيعية سوف تعود غداً أو بعد غداً لكن كلما أتت يومٍ جديدة زدتُ سوءاً .
ألتجأتُ لزيارة المُستشفى القريب من مقر عملي، ذهبتُ إلى المشفى وأنا في أخر رمق ، في الطريق شعرتُ بدوخة عظيمة، طِحت أرضاً فأصبحتُ على وشك أن أفقدُ الوعي ، كان ينظر إليّ أخي من بعيد ، أتى نحوي سريعاً ، أخذني من الأرض وحملني فوق ظَهره النَقي وتوجه نحو المستشفى وأنا بِنصف غيبوبة، أدخلوني غُرفة خاصة، ذَهب الطبيب فأتى بقارورةِ ماءٍ باردة، سكبها على رأسي وجسدي دفعة واحدة فصحوتُ من غيبوبتي وتنفستُ وهدأتُ قليلاً لكن أعراض المرض ما زالت موجودة لم تغادر مني البتة،
كنتُ أصيح بقوة حتى يهتز سطح المستشفى، حتئ أستوطن الرُعب أفئدة جميع المرض ، أجتمعوا الأطباء حَولي فقرروا أن أخضع لفحصٍ شامل ، أخذوا قليلاً من دمي ومثله ماءٍ أصفر من شدة الفجيعة ثم ذهبوا إلى المُختبر للتحليل ثم خرجتُ وظليتُ في الصالة منتضراً النتيجة وقلبي يرتعد من الخوف ، فجأه يخرج الطبيب في يده الورقة التي تحمل نتيجة الفحص ، أهرعُ نحوه بسرعة فائقة ، أصرخُ في وجهه وأقول: بربك يا أيها الإنسان هل شخصت مرضي؟
يرد ويقول : نتيجة الفحص كلها سليمة ، أنت لا تعاني من أي مرض يا أيها اليمني الأصيل، حينها شعرتُ بأنني ولدت ، أطلقت شهقة فرائحة وزفرة شُكرٍ للرب والطبيب، عُدتُ إلى غُرفتي سريعاً، طرحتُ جسدي على السرير وحين كنتُ على وشك غفوة شعرتُ بأن ملك الموت سوف ينتزع روحي في بلاد الغُربة، خِفت أن أموت مغترباً بعيداً من الحبيبة،
أخذتُ قراري وقدمتُ طلباً لمدير الشركة أطلب خروجٍ نهائي من المملكة ، لم يعد لدي شراهة للعمل، أستغرب المُدير من طـلبي المُفاجئ، صَرخ في وجهي وقال : يا لسخافتك، كيف أخذتُ هذا القرار ، يبدو أنك مُختلٍ عقلياً، أجاوبه وأقول أنا سأغادر نهائي، من فضلك قِف جواري وإخدمني كي أعود إلى جوار الحبيبة، أريد أن أموت في حضنها كي اُبعث من حضنها ، تأثر من كلامي ونبراتي الحزينة ، هَز رأسه موافقاً
أتى الصباح، حملتُ حقائبي وغادرت نحو اليمن ، وصلتُ الحدود اليمنية وهُناك زادت حالتي سوءاً، رفعتُ يديّ نحو السماء ودعوت يالله خُذ كلما جنيته من الغُربة مُقابل العودة إلى جوار الحبيبة، أبتسمت السماء وتقبل الرَب دعوتي فشعرتُ براحة تسللت إلى قلبي ، أتت نسمات باردة فعانقتني، بدأتُ أشعرُ بالراحة عندما شميتُ رائحة اليمن ، تمضي الساعات والساعات وأنا أفكرُ وأقول: متى سأصلُ قريتي، أستمرت الرحلة يوم ونصف، وصلتُ مدينة الله والإنسان إب في اليوم الثاني من الرحلة،
نزلتُ من الباص وركبتُ سيارة خاصة نحو قريتي الريفية، ما زلتُ أتذكر كل لحظة من هذه الرحلة المُتعبة والمرض الخبيث الذي جعلني أترك الغُربة نهائياً، حين كنتُ بالقُرب من قريتي شعرتُ بأنني أعود للحياة أكثر من أي مرة سابقة، كنتُ أقتربُ شبراً من القرية والعافية تقترب مني ذراعاً ، وصلتُ منزلي، حيثُ الحبيبة، وبقايا الأعراض ما زالت موجودة، نظرتُ إليها فأختفت بقايا الأعراض دفعة واحدة ، سرقتُ أول قُبلة من وجنتيها فعُدت مليء بالفرح والرقص والضحك والإبتسامة، حينها آمنتُ بأنني كنتُ مُصاب بفايروس الحُب والإشتياق للحبيبة وليس بفايروس كورونا .
7-11-2020
Post A Comment: