فكرت في عمل محترم فلم أكد أتخيله أبدا ، كل الأعمال حقيرة ومتعبة، أرباب المداشر حقيرون ولا يطاقون..  أرباب البناء كذلك هم لا يقلون حقارة عن هؤلاء السابقون، فكرت في بيع النعناع، إلا أنني لا أملك عربة مجرورة لفعل ذلك، العربة الوحيدة التي كنت املكها وأشتغل عليها في السوق الأسبوعي صدئة واطاراتها مأكولة ، لست سوى مياوم شريف أبحث عن وسيلة لجلب المال، ولأنني أقطن في وطن محترم جدا لم أجد ما أسد به رمقي، وقد دفعتني أنفتي دائما أن لا أطلب العزاء من الأقرباء، وكم بث جائعا، ليالي عديدة، لأجل هذه العزة، فما الفارق يا ترى بين النفس العزيزة والحقيرة.. ؟ سألت نفسي يوما ولم أصل إلى الحقيقة، قلت ربما النفس العزيزة تود أن تموت مرتاحة وبضمير حي، وقلت كذلك أن النفس الحقيرة هي شريفة وعزيزة، ربما الفقر دفعها بالأساس إلى أن تكون نفسا حقيرة ومخذلة..

حين أشاهد بأم عيني سارقا فقيرا يسرق خبزة أو جيبا أو تفاحة من سوق الخضار الفسيح أحترمه.. أجد له كل الأعذار، لقد كان بإمكاني أن أفعل مثله، كل الناس قادرون على فعل ذلك ومعرضون لأن يسرقوا عند الحاجة.. بصورة محترمة لم يستطع فقيرنل مد يده للآخرون، إختار أن يسرق بدل أن يمتعضه الأشرار، كان محقا جدا..

لم أدخن الكيف منذ يومين، وأشك أن الوسيلة لأخفف من وجع الرأس هي كتابة هذه الحروف التي تطال أعينكم المرهقة، وهنا سيفهمني المدخنون كثيرا، لأنهم الأقرب إلى التجربة الذاتية، لم يعجبني أبدا هذا الخراب الذي أسكنه، إنه يجعلني أكتب وأكتب وادخن، يحسني بغربة شديدة لا تكاد تنتهي.. 

شوارع مدينتي خالية، قريتي غارقة بالوحل بعدما جاد الله بخيراته الطيبة، هاجر الجميع صوب مدينة الداخلة.. منهم من ركب قاربا بإتجاه جزر الكناري فمات غرقا، ومنهم من اشتغل هنالك ولم يعد، تأتي الشرطة كل ليلة لتبحث عن بائع المخدرات فلا تجده، يهرب كالبرق، أراهم يستمتعون بالمسرحية ، أعلم أنهم يخادعون الناس ببحثهم عن البزناز ، لو أنهم أرادو تكبيله لفعلوا ذلك مباشرة، ولكنهم حثالى لا يفهمون إلا لغة المال وألعاب السرك والملاحقات الهليودية.. 

حين تمسكني الأخيرة جورا أو ظلما لا تعطيني أي قيمة مثلما تعطيها للبزناز القديس، تجعلني مهانا أمامها كأنني لست مواطنا ابن هذه الأرض الابية، فتظل  الطريقة الوحيدة والناجعة لألعنهم هي حين أكتبهم على الورق  تعساء ومكشفين كالشمس.. لم يعد يعجبني هذا الواقع بطلاقته وقبحه.. صار قاسيا وبشعا، ولم يعد للحياة معنى بعد كل هذا التعقيد الاجتماعي الصارخ، لا شيء قادر على تغيره، سيظل ثابتا كما كان أو نشأ، لا الكتابات الجريئة تغيره ولا شعارات الثورة ولا شيء من هذا قبيل سوى من سجارة ملفوفة تغير من نظرتك قليلا وتعيدك إلى واقعك لتتألم من جديد..




Share To: