الشعر النسائي ظاهرة اقتحامية ورافدا من روافد الشعر المعاصر، والشعر النسائي اصوله من الينبوع الذي يروي شجرة المعرفة التي نستظلها جميعاً، له عطر خاص،ومذاق خاص،وإشعاع ستحدد اضواؤه وابعاده مع الوقت.
فنراه في وثبته التحررية، سواء مندفعاً في نظرية المساواة، او حاملا لون البيئة والعصر،يعي طبيعته الانثوية ، ممداً للفكر المعرفي، توازنا يفتقده الادب في العالم، اذ منذ آدم والرجل يخلق المرأة ، ويعيد خلقها ، ويجبلها ويعيد خلقها. على هواه وكما المرأة المنجل،المرأة البحر،المرأة المرآة، كانت نادرة ، خلقها هي كان باطنيا، غير مباشر وفي الاغوار.عطاؤها كان ظلا وحنانها كالهمس يأخذ شكل الليل.
تحاول المرأة الآن ، كتف الى كتف ، أن تبلغ الشمس، انما كعلاقة غير فارقة، لاتنحصر في موضوع أو اتجاه او مكان، فترمي خلفها رحلة الشك والاضداد والعزلة، لكأنها مارد مسحور ينطلق قمقم في صحراء.
لاتروية السماء تصوغ، لا “جورجات” جورج صاند ترجو، لا “اميليات” ديكنس .تختبئ في كف رجل طوال الحياة، لاستائر ، لااقنعة، لااساور، بل خاتم في كل اصبع وشعر ينطلق مع الريح.
المرأة الخبيرة بنسج الدموع والاحلام والآهات، المغرمة بالسحر والسحرة قد ماتت.
المرأة الرمز، المرأة الغناء والسجود في حنان العذراء: « ياليتني مت قبل هذا»، في مقابل الرجل القوة : « إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا» ، تأخذ اليوم وجودا حقيقيا، وجودا مجابها.
المرأة التي كانت تحب حتى الموت، تعطي حتى الموت، تود أن تأخذ بدورها، حتى الموت. هل من طقوس تضيفها تجعل من جوهر الحياة اكثر ادراكا، أكثر حكمة، أكثر كمالا؟ ، هل من زخارف، من نمنمات الحروف، تجعل البناء الإنساني أوضح وأكثر استيعاباً وأكثر نفعاً.
لكأن الحاضر يجابه الماضي في سبيل المستقبل، لكأن الزمن يطارد الزمن،في لانهائيته ونهايته. يطارد المرأة كي تطارد الرجل، كي تطارد الحياة على الارض، لكأن الارض ايضا تطارد السماء، والمرأة في أبديتها كأشجار الزيتون تلبس البحر.
الشعر النسائي قدم للشعر غنى جديدا، صبغة جديدة، وبعدا جديدا، وهو يملك احاسيس مميزة بدقة عن احاسيس الشعر الرجالي، والشعر من دون نساء غير مكتمل، تماماً كما لو كان العالم مكوناً من رجال، لأن المرأة تملك تقنيات تعبيرية لايملكها الرجل، وهي تكمل مسيرة الحركة الشعرية، تعطي الدفء والبعد من ناحية التكنيك والفعل الشعوري، وقد يتميز الشعر الذي تكتبه النساء عن الذي يكتبه الرجال بنفحة حنان خاصة، ولكن هذا ليس من شأنه حصر الشعر في خانة الانثوية، وجعله شعراً ناعماً طرياً كما وصفوا جسد المرأة.
الشعر طائر وحشي لايمكن سجنه في اي قفص مهما جملت قضبانه، وعذب ماؤه، الشعر الجيد يتدفق من كيان المرأة الذي هو كيان إنسان، تماما كما يتدفق من كيان الرجل الذي هو كيان إنسان ايضا، ولاتضيف الا النوعية، لابكيفية خروجه من جسد قوي أو ضعيف.
الشعر يولد من الروح والارواح متشابهة، واذا كانت الروح نقية وشفافة ومعطاء، جاء الشعر على هيئتها وجوهرها وبالعكس.
والحركة الشعرية النسائية التي انطلقت في منتصف الستينات ساهمت، كحافز وكمحرض، في قيام انطلاقة شعرية جديدة كانت تجمع شعر الجمالية الحديثة والتراثية ضمن تعبير غنائي موزون شبيه بالشعر الفرنسي في القرن التاسع عشر، ولقد قامت على سبيل المثال رشا محمد ، وخوناف رمضان أيوب من سوريا ، وريهام كمال الدين سليم ، ونجلاء الطبري من مصر ، ولودي شمس الدين ، وزينة جرادي من لبنان ، و امينة الوزاني ، و حليمة الحريري من المغرب ، ونداء عادل ، والمنيا علي حسن من العراق ، من الشاعرات بنفح الأدب العربي النسائي بسيريالية مدجنة ورؤيا شجاعة مميزة وحديثة.
ولعل العلامة الأكثر بروزاً في هذا الشعر كانت نوعاً من الرمزية الجامحة والاستحضار اللازمني اللذين جعلا هذا الشعر صعب المنال بالنسبة الى الجمهور الواسع ، ومع مرور الوقت أصبح هذا الشعر اكثر صفاء واكتسب عمقاً وبساطة وتميزاً في المضمون وفي التعبير.
وقد اضاف الانتاج الشعري النسائي الى الحركة الشعرية العربية النبض والنوعية المميزين.
والشعر رعشات من اللاوعي تعانق حلما آتياً الى الوعي، أي أن القصيدة تضي في فكر الشاعر وتنصهر في بحيرة قلبه قبل أن تصبح حروفا مسطرة على صفحات تنام في ديوان.والذي لم يتذوق فرح الشعر ولذة ولادة القصيدة، لايكون قد تقابل مع الشعر. وموقع شعر المرأة هو في قلب الشعر، واذ كان هناك من زيادة بوجود المرأة الشاعرة. فإنه زاد عافية وأناقة وصفاء.
واذ أردت ان تعرف مافي الشعر النسائي ، فاعرف أن فيه المرأة، والشعر النسائي العربي اتجه في أكثر اتجاه عاطفي رومانسي عبرت به المرأة عن لواعج شجونها وخلجات قلبها حيال شؤون القلب وأشواقه وهمومه . وهناك شاعرات كتبن في مجالات اخرى، كالشاعرة المغربية كريمة نور العيساوي ، واستفدن من خصائص اللغة والتاريخ والثقافة، فجاء شعرهن مليئا ببعض الطراوة الفنية والصدق الساذج وبطابع فني قريب الى متطلبات الصحافة.
وحركة الشعر النسائي العربي، برغم محدودية خصائصها، قد تتطور وتنمو في مناخات الحرية والصفاء الفكري، اذا اعتمدت الأداء اللفظي الجميل وصورا مشرقة خلابة، مع تعدد في الموضوعات وعدم تكرارها، اذ أن الشعر النسائي، اليوم، في أكثره، مليء بالغنج الانثوي الواضح، وهذا يفقده احيانا فنية التعبير والابداع الجمالي المطلوبين في الشعر.
فالشعر هو عطية البشر من دون تمييز في الأعراق والأجناس، إنه قفزة نحو عالم المطلق والجمال، تحمل على راحلتيها هموم البشر ولفتة نحو المجد، وتحمل في آن سكرة الوجود في كأس تقدمها الى البشرية جمعاء.
واليوم يمثل الشعر مرحلته، التي ستصنف بعد حين على أنها أيضا مرحلة مهمة من تاريخ الشعر الحديث، علماً أننا جميعاً، كجيل، نعمل في أسوأ ظروف اقتصادية واجتماعية...مصيرية، ومع ذلك تجد هناك من يكتب شعراً جيداً، وعلى مستوى أفضل من الشعر الذي يكتب في العالم هذه الايام، مما يجعل النتاج الشعري مبعثراً هنا وهناك على الصفحات الثقافية التي تقرأ وتنسى في اليوم نفسه، ثم لاننسى غلاء الطباعة والنشر مما يجعل الكثير يفضل الكتابة للادراج.
إن الشعر النسائي ليس له اهمية خاصة لعدم اهتمام الناس به، ولكن التجربة النسائية حققت الكثير واسهمت في تطوير الحركة الشعرية الحديثة لغة ومضموناً وابعاداً ، خصوصاً من ناحيتي الإحساس الشعوري والحدسية اللاواعية.
ويسرني أن اقول إن الشعر النسائي هو من أبرز مميزات هذا القرن.
لم تشهد الارض مرة شاعرات في المستوى الذي تعرفه اليوم ، وفي العدد الذي ازدهر في شتى بلدان الحضارة.
Post A Comment: