المقطع الاخير

في تلك الأيام الخوالي.. تنحسر الستارة ، بأنامل نشطة و تدفع بها جانبا إلى الزاوية.فتلوح أزهار الأقحوان و القرنفل ، وشقائق النعمان ،و شجرة السدر الوارفة ، و المنعكس ذلك كلّه ، على زجاج النافذة. و التي تعكس كل هذه ألأشياء المبهجة على المرآة المتكئة على الأريكة.فتترك إحساسا: بأن البيت حديقة مدوّرة. والحاكي يرسل ألحانه الراقصة ، وتلك الأغنية الرافلة ، بالعتب و الشوق ( حبيبي آ.........ل اُذكريني.. لما بيجي الطير .. ويعشعش الطير .. بالشجرة الحزيـن...........ه).
يغوص المشط بليل الجدائل. وصقيع الوحدة يجثم على الركبتين. والأطراف. و الفم..لم ينبس ببنت شفة. و النشاط حكر على الذهن . و المرآة خلا إطارها من النصف الآخر. فلا اتّكاء على أريكة ، لكي تعكس بهجة الفناء.. ولا بهاءٌ بهيج. فقد أسهمت قبل هذا ، بانعكاس حي، متألّق للحديقة، لتطرد على نحو متواصل، ذلك الشحوب الصباحي. و كأن الشحوبَ – آنذاك – له ما يبرره لقضاء صباحاتٍ هادئةٍ، بعد ليلٍ مكتظٍ باللهو و الممازحة.
كانت تعشق كل ما يصنعه الزوج. تعبد إبداعاته . و مفاجآته التي لا تخطر ببال.
كم حلّ من أذى لهذه الأعوام؟ كم دفعت من ثمن لها؟ دون أن تجازف بتفريطِ ، ولو جزء ضئيلٍ منها. كم فقدت من لونها المتألّق.. حتى استحالت إلى هذا اللون الرمادي؟
بقي المشط يسرح : مواساة لتلك الأصابع.. التي بدا عليها: ذلك الارتعاش الخفيف. تلك البرودة المؤذية لأطرافها. حتى لون الملابس بهت ، و المواعيد كذبت. حتى قريبهما العزيز، أجفلت ذكراه. و كذبت مواعيدُه .
إلى متى .. هذا الصقيع الذي ينخر العظام؟؟؟
وما زالت خصل الشعر تسقط و تفترق. وما زالت الثاوية تحدق بالشجرة .كأنها .. تطل عبرها إلى الفناء . وإلى تلك الحمامة الدائحة التي حطّت وسط الهطول و رأسها يستدير ، بذلك البحث القلق ، مرددة ندائها: ( و شتا.....كل .. كوك الله. وشتشـ.....رب.. ماي الّـ......له ).
تواصل ذلك النداء بإلحاح. مرّات يتأنّى ، ومرات يتواصل. كانت الدائحة تبدو: كما لو أنها متوترة الأعصاب. و كان صوتها يهز كل كيانها الصغير. وكان يبدو..أكبر و أكبر من ذلك الجسد.
تبدو أحيانا تنسل ريشها بمنقارها. وتنتفض، ثم تواصل ذلك النداء، الذي يرهقها أحيانا.فيبدو سحيقا و أليما.
تصالب الجسد الثاوي فوق المقعد منصرفا بكامله ، إلى ذلك الإصرار ، وقد استمر دون انقطاع، حتى ليبدو : إن الصبر قد نفذ.وإن الثاوية تتطلّع ، ولو.. إلى طرقة يتيمة على الباب.لكن ذلك .. بات وكأنه بعيد. فمن الذي سيجيء؟...
كان المشط قد تواءمت حركته مع نداء الدائحة. وتوقف، حتى فوجئ بطير آخر يحط إلى جانبها، فيتهامسان و يحلّقان.
الى متى تتطلّع الثاوية ، بهذا الهمي المتواصل؟
نظرت الى المشط، وانتزعت خصلات الشعر، الملتفّة بين الأسنان. كانت.. ثمة واحدة بيضاء. فوجئت لأنها لم تر.. رغم المحاكاة مع المرآة في كل يوم، لم تر.. مثل هذه الصهباء الكريهة . التي بدت من طولها : إنها ليست بنت اليوم.. وإن المشط و المرآة غادران.
من أية جهة كانت؟َ من الواضح أنها لم تكن من الخصل الأمامية. فلو كان هذا حاصلا.. لكانت أقل طولا بكثير. رغم إن ذلك .. لا يشفع لهفوة نصف المرآة.
جاءت بقطعة قطنية، ومسحت بقايا المرآة، لكي تتأكد..من خلو الجهة الأمامية. ربما.. كان لتحطمها سبب. فلو كانت بحالة سليمة وصافية، لما خفا عليها خاف.
وانبهرت أمام عينيها ،تلك العتمة، التي حوّطت العينين، والغضون المبكرة.كما لاحظت:إنها أهملت نفسها كثيرا. وفي خلدها ثبت إصرار: بأنها آيلة الى حالة أمها.
إلى متى ذلك الصقيع بالأطراف؟ إنها تُسرق ببطء. و تُغلب دون مقاومة.
رفعت قامتها و ابتعدت، دون أن تجمع ، ما كان عالقا بالمشط. حملت نصف المرآة ، بيد مرتعشة .. فهوت من يدها متحطمة. و استلب اهتمامها ، ما فوجئت به ، من نقرات على الباب الخارجي و صوت مهطول، يستنجد بالدفء.

تاريخ القصة 2001/1/18 أحد أسوأ الأيام للنظام السابق طرا .




Share To: