تسعى جاهدًا أن تنقل شعورًا أو توصل فكرة فتشعر بالعجز أمام ضيق اللغة وصلابة العقول، تتألم من سوء الفهم الذي تواجه به فتعزّي نفسك تعزية الأنبياء؛ فالكثير من الأشياء لا يُدرك من صفحات الكتب ولا عبر الشاشة ولا بالتلقي ممن تظن أنه يكبرك علما. 

كل هذه أبواب تسمح لك بمشاهدة الحياة من خلف الزجاج، لكن دون أن تمسها أو تحس بها أو تسمع صوتها، فالحياة لا تفهم إلا بعد أن تعيش دورتها مكتملة ومتدفقة من خلالك! 

تعرف الحزن حين تولد الأشياء ومعها الأمل والمستقبل وتعيش على عينيك؛ ثم ترحل هي هي بين ذراعيك مبقيةً لك الذكرى والحزن!

تعرف معنى الفراق حين يحول بينك وبين الكلام في صدرك لإنسان كان على الدوام قربك ركام تراب أو تغريبة قسرية!

تعرف معنى الحب حين تستوحش وتتألم من الوحدة،  فينبض قلبك فجأة بشيء أكثر رقة من الدم، ويصبح العالم أكثر اتساعًا وجمالًا حين تنظر إليه بانعكاس عين من تحب. 

تُدرك معنى العدل حين تنصره وتتذوق لذة انتصارك، وتدرك وجع الظلم وقهره حين يقع عليك ويسلبك آمالك!

تدرك معنى الأحقية في الاختلاف وإمكانية الالتقاء مع البشر في نقاطِ تشابه كثيرة وتصبح أكثر تسامحًا ورحمة مع نفسك ومع الآخرين، حين تدور وترتحل وتسافر بعيدًا ويتسع عقلك وتتمدد معرفتك وترى مشاكلك التي كنت تتوهم أنها كبيرة بحجمها بالغ الصغر في البعد.

تتوقف عن جعل تجربتك الشخصية معيارًا للصواب والخطأ حين تكون بعيدا عن مصادر تلقيك المحدودة، وتدرك أن في العالم سبعةَ مليارات إنسان، لكل شخص منهم تجربته الذاتية بتصوراته الخاصة وظروفه التي صنعت منه تجربة متفردة لها طابع مختلف!

بعض المعاني يا صديقي صعب أن تُشرح بالسرد بل بالتجربة والمعايشة ربما تصل، بالسير على الحواف والتجديف في أماكن لم يجدف إليها أحد، بالمشي حتى يؤلمك المشي. حين تشاهد الشمس من مائة زاوية مختلفة، وحين تدرك أن للخبز مليون طعم مختلف بحسب مكان زراعة القمح وعذوبة الماء ومزاج الطاهي!



Share To: