ترويض وخداع 
محاولة يائسة لكسب الصفوة السياسية المصرية وهذا من شأنه أن يقضي على المقاومة لهم داخل مصر،

فقام نابليون بإعادة نقيب الأشراف الأسبق عمر مكرم الذي كان مأسور في يافا وتم إعادة ممتلكاته التي صادرها الفرنسيون،

وحسن طوبار تم إعادة ممتلكاته أيضا وعين على دمياط مع الاحتفاظ بابنه كرهينة،

رغم أنه أعلن عن نفسه في خدمة الفرنسيين (هذا دأب الخونة، لا يثقون في من يتعاون معهم).

الوضع في الأرياف كان مختلفا خاصة في البحيرة، مجموعة من المماليك تنهمك في التعدي على الفلاحين،

ويتم الوشاية بهم للفرنسيين الذين يعدمون بعضهم ويسجنون البعض الآخر،

ويتم الاتفاق مع قبائل البدو الفلاحين للتوصل إلى تهدئة فلا يقاومون الفرنسيون،

فقط قبيلة واحدة هي من أخلصت لهم لدرجة أن الفلاحين أطلقوا عليهم البدو الفرنسيين هي قبيلة هنادي والتي تشترك مع الفرنسيين في مطاردة المخالفين،

لكن المقاومون المصريون لا يعدمون الطريقة التي بها ينكلون بالفرنسيين،

فقد هجموا على سفينة نهرية فقتلوا خمسة عشر فرنسيا على متن السفينة منهم الجنرال دومارتان.

نفض الهزيمة وتبرئة ساحته:

حملة الشام منيت بالفشل فكان لزاما على المغامر نابليون أن يبريء ساحته أمام حكومة بلاده..

ولم يكن اجتمع بأعضاء المجمع العلمي منذ بداية حملة الشام، فاجتمع بهم وطلب تقريرا عن الطاعون المتفشي بعساكره،

وكان قاسيا على الأطباء وأرجع تفشي المرض إلى إهمالهم وتقصيرهم وهو العازم على مغادرة مصر فيريد بذلك حفظ هيبته وماء وجهه.

هدوء هش:

كانت فترة هدوء كاذبة، أقل من شهر بعد العودة من الشام فقد جاءت أنباء عن نزول مراد بك من الشام إلى العريش ثم دمياط،

فالجيزة ولكن يخرج نابليون بجيشه لملاقاته فيجبره على الارتداد إلى الفيوم ومنها إلى الصعيد مرة أخرى.

وردت الأنباء لنابليون بنزول الجيش العثماني أبي قير ويقف مع هذا الجيش الانجليز وبعض الروس،

شعر بالخطر يحيط به فعقد اجتماع للديوان وعاد للبيانات البراقة (طبقا لتوصيف لورانس)

حيث يصور نفسه على أنه البطل الذي اختاره الله للذود عن الإسلام ضد المسيحيين..القائلين بأن الله ثالث ثلاثة..

نابليون يخدع السذج

ولنقرأ معا خطبة «الشيخ» نابليون ليخدع السذج!!:

«في هذه العمارة خلق كثير من الروس الإفرنج الذين كراهتهم واضحة لكل من كان يوحد الله وعداوتهم واضحة لكل من كان يعبد الله ويؤمن برسول الله،

يكرهون الإسلام ويحتقرون القرآن، وهم نظرا لكفرهم في معتقدهم،

يجعلون الآلهة ثلاثة وأن الله ثالث تلك الثلاثة، تعالى الله عن الشركاء،

ولكن عن قريب يظهر لهم أن الثلاثة لا تعطي القوة وأن كثرة الآلهة لا تنفع،

بلى إنه باطل لأن الله تعالى هو الواحد الذي يعطي النصرة لمن يوحده، هو الرحمن الرحيم المساعد المعين،

المقوي للعادلين الموحدين الماحق رأي الفاسدين المشركين، وقد سبق في علمه القديم وقضائه العظيم أنه أعطاني هذا الإقليم،

وقدر وحكم بحضوري عندكم إلى مصر لأجل تغييري الأمور الفاسدة وأنواع الظلم وتبديل ذلك بالعدل والراحة مع صلاح الحكم،

وبرهان قدرته العظيمة ووحدانيته المستقيمة،

أنه لم يقدر للذين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة قوة مثل قوتنا، لأنهم ما قدروا أن يعملوا الذي عملناه،

ونحن المعتقدون وحدانية الإله ونعرف أنه العزيز القادر القوي القاهر المدبر للكائنات..

والمحيط علمه بالأرضين والسماوات والقائم بأمر المخلوقات هذا ما في الآيات والكتب المنزلات ونخبركم بالمسلمين إن كانوا صحبتهم يكونوا من المغضوب عليهم،

لمخالفتهم وصية النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بسبب اتفاقهم مع الكافرين الفجرة اللئام، لأن أعداء الإسلام لا ينصرون الإسلام،

ويا ويل من كانت نصرته بأعداء الله وحاشا لله أن يكون المستنصر بالكفار مؤيدا من يكون مسلما،

ساقتهم المقادير للهلاك والتدمير مع السفلة والأراذل،

وكيف لمسلم أن ينزل في مركب تحت بيرق الصليب ويسمع في حق الواحد الأحد الفرد الصمد من الكفار كل يوم تخريف واحتقار،

ولاشك أن هذا المسلم في هذا الحال أقبح من الكافر الأصلي في الضلال»

تصنيف العملاء:

عين العدو لا تنام وتهتم بكل تفصيلة لأنه دائم الترقب ولا يأمن جانب أحد خاصة الطابور الخامس الذين يتعاونون معه.

يرى بعض المسئولين الفرنسيين أن استقلال الديوان زائد عن الحد وأن تدخله في الأمور يتم دائما،

على حساب المتعاونين المباشرين «الطابور الخامس» مع الفرنسيين فيكتب أحد قواد نابليون له فيقول:

«إن الشيخ السادات هو الرجل الذي ارتاح إليه أكثر من سواه،

والسيد عمر مكرم يتصرف بشكل جيد للغاية، والشيخ البكري رجل خائف،

أما الآخرون فهم خونة أو متعصبون (المعارضون لهم بالطبع لا توصيف لهم غير ذلك) والشيخ المهدي رجل يسعى إلى كسب الشعبية والشهرة،

وهو مستعد لأن يضحي بجميع الفرنسيين بدلا من أن يفقد درجة واحدة من مكانته، على أنه يواصل الاجتماع بنا باستمرار»

وصايا نابليون لكليبر قبل مغادرة مصر:

نابليون يفاضل بين قادته ليتركه خلفا له في مصر فيقع اختياره أخيرا على كليبر..

فيبدأ في توصياته في حكم مصر بتوصيف مختلف الفئات حوله..

فيؤكد على الاختلاف بين العرب والأتراك،

ولابد من الحفاظ على وساطة علماء الدين لما لهم من تأثير مباشر على الشعب ورقة شعورهم لأنهم ليسوا جنودا.

المسيحيون مفيدون إلا إنه لا يمكن تحريرهم تحريرا واسعا بسبب تحيزات المسلمين،

ويجب الاعتماد على شريف مكة لمراوغة مرجعية الخليفة (الباب العالي)

يمكن دمج المماليك في النظام الفرنسي بما فيهم إبراهيم ومراد بك الذي سوف يجري عرض لقب الأمير عليه.

لابد للجيش الفرنسي أن يتخذ مظهرا شرقيا من حيث الزي كما من حيث التجنيد حتى يبدو في أعين السكان جيشا قوميا.

أما الخطر الحقيقي الذي يواجهه هو التحالف العسكري بين العثمانيين والانجليز،

ولابد من أن يسعى الجيش الفرنسي من فك هذا التحالف بجعل الجيش التركي في مواجهة مع الجيش الروسي وبإفهامهم أن هذه الحرب لا تفيد سوى الإنجليز.

الحفاظ على موقع الأسكندرية الذي يمكنه تحمل حصار طويل حتى تتغير الظروف،

أما التحدي الأكبر فعليا لهو الطاعون الذي حصد من عساكر نابليون في مصر فقط 1500 جندي وبالتالي يجب اتخاذ الإجراءات الصحية للقضاء عليه.

الميراث الثقيل:

رحل نابليون سرا دون إعلام أحد بموعد رحيله ولا حتى كليبر الذي أبدى تعجبا لفعله (أتصور أنه إجراء أمني)..

وهذه السرية أحدثت ردود فعل سيئة على القادة والجنود في آن،

خاصة وأن الكثير من القادة رحلوا أيضا في ظل تردي الأوضاع المالية ونقص في الأسلحة والذخيرة..

وانخفاض معنويات عساكر فرنسا مما ترك أثر عندهم أنهم لا يمكن الاستمرار في مصر كما أن البقاء بها لا يعود البتة على فرنسا بأي منفعة،

وانتهج نابليون نهج جديد في خطابه للديوان فقد هجر الخطاب الإسلامي القومي السياسي،

وإنما عني بالحديث المباشر دون إملاء من المستشرقين ولكنه لم يغادر الحديث العاطفي بدغدغة مشاعر المصريين بقوله:

«إنني أود من خلال أعمالي الاستجابة لمطالبكم والتماساتكم، لكن الأعمال بطيئة ويبدو أن الشعب جد تواق إلى معرفة المصير الذي ينتظره،

حسنا قولوا له أن حكومة الجمهورية الفرنسية قامت بتكليفي بحكم مصر..

وقد كلفتني بنحو خاص بالسهر على رفاهية الشعب المصري، وهذه المهمة من بين جميع المهام هي الأعز إلى قلبي»

وللحديث بقية إن شاء الله



Share To: