دعا الإسلام إلى العمل, ورّغب المسلمين فيه, وترك لهم الخيار فى نوعية العمل بما يتناسب مع قدراتهم ومهارتهم, يقول تعالى (فإذا قضيت الصلاة فأنتشروا فى الأرض و أبتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيرًا لعلكم ترحمون) وأمر الله المسلمين بألا يتكاسلوا عن العمل وأن يسعوا وراء الرزق يقول تعالى (هو الذى جعل لكم الأرض ذلوًلا فأمشوا فى مناكبها وكلوا من رزقها وإليه النشور)  وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل أيضا, ونبذ تحقير الناس من المهن المتواضعة, فقد روى البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتى بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).
ولقد كان الرسل والأنبياء من أحرص الناس على العمل إلى جانب الوظيفة المكلفون بها من قبل الله تعالى, وهى الدعوة إلى الله, فكان نوُح نجارًا, وكان إدريس خياطًا, وكان داود خواصًا, وكان موسى أجيرًا عند شعيب, وكان محمد صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم, وتاجرًا يزاول التجارة.
لم تكن البطالة مشكلة عابرة تواجه المجتمع العربى والإسلامى, ويسهل التصدى لها, بل أصبحت كابوسًا يؤرق جميع المجتمعات, ويهدد الأمن و السلم المجتمعى فى أى بقعة فى العالم وخاصة  العالم العربى, لدرجة أصبحت مسارًا لإهتمام جميع مراكز الأبحاث الغربية, بعد إرتفاع مؤشرها بصورة غير مسبوقة فى كثير من الدول, ومن ثم التخوف من إندلاع ثورات شعوب يسعى شبابها لإيجاد فرص عمل لهم, والتاريخ خير شاهد على أن سبب إندلاع الثورة الأوربية بعد الثورة الصناعية هو إرتفاع سقف البطالة بصورة كبيرة, أو التخوف من إلتحاق الشباب العاطل بقطار الإرهاب والذى بات يسير بسرعة جنونية, ويصعب إيقافه, فكان لزامًا عليهم البحث عن حلول فعالة لمواجهة المشكلة بل والقضاء عليها.
* أنواع البطالة
ـ البطالة الطبيعية:
فعندما يكون الطلب على العمل مساويًا لعرضه, أى عدد الباحثين عن العمل مساٍو لعدد المهن المتوفرة, فهى الحالة الإقتصادية المرتبطة بالمستوى العام من البطالة, وتشكل مؤشرًايدل على أن إقتصاد الدولة سليمًا.
ـ البطالة الهيكلية:
وتظهر نتيجة حدوث تغيرات فى الحالة الإقتصادية, مما يؤدى إلى ظهور تباين بين مهارات العمال والمهارات التى يتطلبها سوق العمل, وغالبًا ما يكون سببها ركودًا طويلًا, ويؤثر هذا النوع سلبيًا على العمال وبالتالى على معدل البطالة العامة. 
ـ البطالة الإحتكاكية:
وهى البطالة التى تنتج عن ترك الموظفين لوظائفهم القديمة للإنتقال إلى وظائف جديدة, ويتخلى أغلب الموظفين فى هذا النوع عن وظائفهم بشكل ذاتى, بسبب رغبتهم فى ترك العمل بشكل ذاتى بسبب رغبتهم فى ترك العمل, أو رغبتهم فى الحصول على راتب أعلى, فى وظيفة جديدة, ويحدث هذا النوع من البطالة مع  الطلاب الحديث التخرج من الجامعات.
ـ البطالة الدورية:
وهى لا ترتبط بمؤشر البطالة الطبيعية, وسببها هو ركود وتراجع فى إحدى مراحل الدورة التجارية فى بيئة الأعمال بسبب إنخفاض الطلب على الخدمات والسلع, والذى يترتب عليه تسريح الكثير من العمال, لتقليل التكاليف والمرتبات, ويجب تدخل الدولة فى هذا النوع بوضع سياسة إقتصادية ومالية توقف بها البطالة الدورية  لأن هذا النوع من البطالة يؤثر سلبًا على اقتصاد الدولة.
ـ  البطالة الموسمية:
وهى البطالة المرتبطة بمعدل البطالة الطبيعية, وتظهر نتيجة التغيرات فى موسم التوظيف, وتؤثر على العمال الذين يعملون أثناء موسم أو فصل معين فى السنة كحصاد المحاصيل الزراعية.
ـ البطالة الكلاسيكية:
وتعرف ببطالة الأجور الحقيقية, وتظهر هذه البطالة نتيجة رفع الدولة للأجور برفع الحد الأدنى للأجور مثلًا وإرغام المؤسسات والمنشئات بتنفيذ ذلك, مما يضطرها إلى الإستغناء عن عدد منهم لتحقيق التوازن بين شروط العمل وعدد الموظفين 
ـ البطالة المقنعة:
وهى مرتبطة بالبطالة الدورية, وتظهر بسبب وجود أفراد قادرين على العمل ولكنهم لا يعملون بمهارتهم كلها, وغالبًا ما تكون مجالتهم المهنية غير مفيدة للدولة.
* أسباب البطالة     
ـ وجود فروق بين الأجور السائدة فى سوق العمل والأجور المطلوبة لتحقيق التوازن فى سوق العمل, بحيث تتوفر فرص العمل للجميع.
 ـ غياب العدالة فى العرض والطلب على العمل,  فهناك مناطق جغرافية يكون الطلب فيها على العمل كثيرًا, وهناك مناطق لا يتوافر فيها أى طلبات عمل.
ـ عزوف الشباب عن العمل فى المجال الوظيفى المهنى, بسبب الثقافة الإجتماعية السائدة.
*حلول البطالة فى العالم العربى
هناك العديد من الحلول التى يمكن للحكومات العربية أن تستخدمها من أجل الإفاقة من هذا الكابوس الذى بات يؤرق أحلام شبابنا  العربى, ومن أهمها:
ـ تشجيع الاستثمار الداخلى الذى يؤدى إلى زيادة الشركات, وبالتالى فرص العمل.
ـ الارتقاء بالتعليم لكى يقدم لنا أفرادًا أكفاء, لا يكون عالة على المؤسسات التى يعملون بها.
ـ يجب على الدولة أن تشجع المشروعات الصغيرة والتى تستوعب طاقات الشباب, بل وتنميها بالإستعانة بالتواصل مع أفكار الشباب.
ـ تغيير الثقافة المترسخة عند الشباب فيما يخص بعض المهن والتى يوصمها بعض الناس بالدونية مثل المهن الحرفية.
ـ تجديد الثقة فى العمالة المحلية وإنهاء ما يسمى ( بعقدة الخواجة) وتقنين العمالة الأجنبية والإستعانة بها فى حالة الضرورة فقط.
ـ العدالة فى توزيع الأجور, وعدم المبالغة فى تمييز فئة معينة عن فئة أخرى, والذى يصب فى النهاية فى زيادة الميزانية مما يؤدى بدوره إلى زيادة فرص تعيين عماٍل جدٍد.
ـ توفير ضمان إجتماعى, أو تقديم منحة بسيطة للعاطلين تساعدهم فى التنقل للبحث عن فرص عمل.
ـ منع الواسطة والمحاباة عند اختيار الموظفين, والاعتماد على معيار الكفاءة والخبرة فقط.    
 
* هل ثمة علاقة بين البطالة والإرهاب..؟
يتبنى بعض المحللين الغربيين فكرة مفادها: أن البطالة والإرهاب وجهان لعملة واحدة, وأن البطالة هى السبب وراء إلتحاق(الشباب المسلم) بالتنظيمات الإرهابية, إلا أنى أرى فى هذا المنهج  إجحافٌ للحقيقة, فليست البطالة سببًا كافيًا لتحول العاطل فجأة إلى إرهابى بشكل مسرحى, بحجة أن البطالة تعطى العاطل إحساسًا بالدونية, ومن ثم يصبح حانقًا على المجتمع ويكرهه, و الكراهية هى بداية دخوله حلبة التطرف والإرهاب, حيث يغذى هذا الشعور عنده مدربون أكفاء من فقهاء الإرهاب يستطيعون إقناع العاطل بأن الجريمة الإرهابية هى مهمة ينفذها ليحظى بالجنة الخالدة, ويتخلى عن الدنيا الفانية... نعم قد يحدث هذا الفرض..!! لكنها  ليست نظرية ثابتة, فالعاطل قد يكره.. قد يحقد.. بل قد يصبح سارقًا, أو معتديًا, أو مهربًا,  لكن ليس بالضروة أن يصبح إرهابيًا, لأن هناك تباينَا واضحَا بينهما, فالسارق مثلًا شخص يرغب فى الحياة وملذاتها, بل ويحبها ولا يريد الموت, ويسرق لكى يحظى بعيشة ميسورة, أما الإرهابى فهو شخص ممنهج لا تعنيه الدنيا بكل ملذاتها بل يسعى لهدف أسمى وهو البقاء فى جنة الخلد, طبقا للعاطفة المزروعة فى عقله من قبل جهات ومنظمات تثير عاطفته لتحقيق مصالحها و أهدافها الخاصة, وهناك طرق ومغريات متعددة لجذب الشباب العاطل عن طريق المال, أو عن طريق الخطاب الدينى لديه بالوعود بالجنة والظفر بالحور العين, كل ذلك يحدث بمخطط مدروس بعناية بتعويد الشباب العاطل على التفكير بطريقة غير تقليدية, بل بطريقة غير منطقية( أحادية الجانب) والغلو فى تكرار الشئ مرات متعددة حتى تصبح قناعته فى عقله اللاوعى  أن هذا الفكر هو الصحيح, وأن تنفيذ مهمته بالقتل مثلًا هو وسيلته للحاق بالجنة, والتخلص من آلام الحياة ومشاكلها.
إذًا لابد للدول والحكومات العربية والإسلامية من مواجهة شبح البطالة, و السعى لصرفه من المجتمع بتطبيق الحلول العملية, حتى تحافظ على الأمن والسلم المجتمعى, والوقاية من الأمراض الإجتماعية مثل الحقد والكراهية والإحباط, وتوغل روح اليأس إلى قلوب الشباب المسلمين لأنهم عمود خيمة ديننا الحنيف.  
 
    




Share To: