حدود 
تلقيت مكالمة هاتفية، من مسئول الخط الساخن ،بمركز المدينة، بارك لي فيها الزفاف السعيد، وتمني  لي الذرية  الصالحة والسعادة. كما أخبرني أن قاعة الأفراح في المركز قد أصبحت جاهزة لإستقبال الحفل الميمون .تصاعد من داخلي خوف ،كما تتصاعد الحمم  من البركان .وضعت سماعة التليفون، وأنا أسأل نفسي :لماذا لم يهاتفني علي المحمول ؟ولماذا اتصل في هذا الوقت بالذات؟ كانت الساعة قد شارفت علي الثالثة  بعد العصر ،وقت إنتهاء الأعمال! ،ثم ما هو سر هذه العجلة؟ ،بالأمس فقط تعرفت علي العروس وأمها في النادي ،ولم أطلب مباشرة الزواج من إبنتها ،فقط أعلنت عن رغبتي في الحب ،حب جديد ،ولم اشر لا من قريب ،ولا من بعيد عن رغبتي في الإرتباط بإبنتها، تلك البلهاء ،والتي لم تكف عن الضحك وطرقعة اللبان طيلة جلستنا ،أما امها فأطلقت زغرودة  طويلة ثم بكت  فرحا .وكأن كل شيء قد انتهي  ،ثم جاء معارفها، ومن لا يعرفها من علي المناضد المجاورة في النادي  للتهنئة .وهكذا ،فجأة، أصبحنا خطيبين، دونما رغبة حقيقية مني ،كم هي هزلية تلك الحياة ،كانت أمسية غريبة .عدت منزلي مرهقا، ونمت مباشرة .مرت ساعات نومي وانا أحلم،  وفيما أنا جالس في الفراندة، و سارح في أفكاري، رن جرس المحمول :
-الو الو من معي ؟
-الو الو ..مع حضرتك  محمود عارف ،مندوب المحافظة 
الف مبروك ..الف مبروك يا فندم الزواج السعيد .
الله يبارك في حضرتك 
علي فكرة ،سيارات الزفة  سوف تصل لحضرتك في الميعاد المحدد .
شكرا جزيلا  لحضرتك 
الف مبروك 
كيف وصل الأمر للمحافظة؟ومتي؟ كل شيء يتم في سرعة إستثنائية. يبدو أن الأمر لا رجعة فيه ،المركز والمحافظة علي علم ،وقاعة الأفراح جاهزة .
كيف تأتيني الجرأة للوقوف في وجه المركز ،والأستاذ محمود عارف مندوب المحافظة. هي بلهاء، ولكن أليس من البلاهة ،والعته الوقوف أمام شخص في حجم الأستاذ محمود عارف ؟ثم إنه سيكون أول  الحاضرين ممثلا المحافظة .إنتابني شعور بالحرج أمام المدعوين أيضا. كيف سيكون حال المدعوين في حال إلغاء الحفل ،وخاصة لو اصطحبوا أولادهم، ماذا سيقولون لهم ؟وهم يحلمون بالبالونات والجاتوه ،أي ذنب لهم .وهؤلاء الفتيات اللاتي يحلمن بليلة مثل تلك، وينتظرن مقابلة فارس الأحلام ،ما ذنبهن؟ 
وماذا عن الزفة التي ستصل في ميعادها !
إزداد ت حيرتي ،ولم أدري ماذا أفعل؟ فتوجهت للمطبخ لإعداد شاي العصاري،وهذا ليس نوع شاي جديد ،ولكنه كوب الشاي الذي أعتدت عليه في هذه الساعة .وضعت كوب الشاي علي سور الفراندة ،وجعلت أشاهد السيارات والمارة علي الطريق .سررت أيما سرور لرؤية الأطفال يلعبون الكرة أسفل الفراندة تحت شمس العصر  الدافئة. كنت منشيا للغاية ، .وفيما أنا أغني أغنية  (أغار من نسمة الجنوب علي محياك يا حبيبي )سمعت صوت سرينات متتابعة تأتي من الميدان ،حتي اقتربت من الحي ودخلت .خمسة سيارات في أبهي صورة .نزل الركاب،  وبدأو في التصفيق والصفير ،وهم ينظرون نحو الفراندة .ثم أشاروا إلي أن  :إنزل. ..إنزل 
غيرت ملابسي سريعا ،ونزلت ثم ركبت معهم .دخلت إحدي سيارات الزفة ،وكانت سيارة مرسيدس سوداء ،مزدانة بأشرطة حمراء ،وبباقات ورود حمراء أيضا. أرحت ظهري ،،وجعلت اتثاءب،وغلبني النعاس ،ونمت .كان نومي ثقيلا ،ومليئا بالأحلام. كنت بالفراندة  أحتسي  الشاي ،ثم جاءت سيارات الزفة ،وغيرت ملابسي .لكنني لا أتذكر شيئا بعد ذلك سوي ولوجي  ممر ضيق ،علي جانبيه تراص المدعوين ،وهم يصفقون لي ،ثم دخلت القاعة ،فوجدت صورتي بالحجم الكبير، والتي كانت بجانب صورة العروس ،وهي ممسكة بمصاصة، كان منظرها مخجلا جدا  ،كانت متواضعة الجمال ،هبلة كما يشاع عنها .شعرت بخجل شديد ،وخوف في نفس الوقت من أهلها. كنت أفكر طيلة الوقت في رد فعل أقاربها في حالة تركت الحفل وهربت .لا شك أنه القتل ،ولكن كان بالتوازي يسير كالماء في جدول عذب فكرة الإيمان، وعن حق تلك المسكينة البلهاء في الحياة ،وكنت أكرر لنفسي :أليس لها حق ؟أجب إذا أستطعت،إلا إنني أستطعت أن اقلل من حجم معاناتي وعذاباتي تلك حينما قررت أن أعيش في الصحراء .وبالفعل كان المشهد الذي تلي مشهد القاعة، هو مشهد بيتي في الصحراء ،حيث لا أحد، ولا حدود .



Share To: