دائمًا أتساءل؛ لماذا اقترن معنى الزواج في القرآن  بالرحمة لا بالحب؛ وإذا كانت قيمة الرحمة في أكثر العلاقات الإنسانية قربًا والتصاقًا تعلو قيمة الحب، فلماذا نتعلق نحن كبشر بقيمة الحب ونبحث عنه ونظل نحلم به؛ ولا نولي قيمة الرحمة ذات الأهمية في البحث والحلم؟

تأمل كيف لو أن الرحمة كانت حلمًا للناس مثل ما يحلمون بالمحبة؟ أنا هنا لا أفاضل بين القيمتين، رغم أن معنى الحب في واقعنا أصابه تحريف وتشوه، فالحب بمعناه الحديث أصبح لا يوجب الرحمة -أحيانا- حتى لمن نحب، لما أصابه من الأنانية والرغبة في التملك!

إذا تأملت الواقع البائس بعناية؛ لن تجد شيئًا نفتقده أعظم من شعور الرحمة، أن تُحسّ بالإنسان المتعب الذي تراه أمامك؛ فبدلا من أن تكون شخصًا معبئًا بالكراهية والرغبة في التنمر عليه، أو سبّه وشتمه واغتيابه بلا مبرر..تنظر إليه بعين الرحمة!

كم يكافح لينتصب واقفا؟ كيف ينظم صرخاته العشوائية؟ كيف يبقي شعلة الرغبة في الحياة متقده في واقع يتفنن في كسره؟ كيف يحافظ على عقله سليمًا بين عظام رأسه؟ كم مرة يصرخ ويسقط ويبكي ويحتمل وينهار.. ليبدو أمام الناس بكل هذا الثبات!
 
ستحدق في البشر وتحزن من أجلهم وتتأمل نفسك بين الناس وتحزن من أجلها أيضًا، فنحن نتحسس بعضنا البعض في عتمة الحياة المظلمة، نبحث ونسأل ونرهف السمع ثم ننادي النجدة؛ نعدو ونعرف أننا نركض خلف الموت، ومع ذلك لا نتوقف بل نواصل الركض. تأمل كم نحن مساكين!

قف على جسدك الترابي المؤقت وفتش عن الرحمة في قلبك، فكرة التحلي بالشفقة والعطف والتشبع بالرأفة وروح المسوؤلية على الآخرين  وعلى نفسك قبلهم فأنا وأنت بحاجة إليها أكثر من أي شيء لننجو أو على الأقل لنكون سبب نجاة.



Share To: