مدينتنا الحزينة لا يروقها انتشار الحب أو رؤية المحبين، تلتهم البدايات من قبل أن تبدأ، وتفتعل الحزن كأنه المبدأ، طرقاتها الوعرة مهيأة تماماً للسقوط الحر، حيث لا ضُر في سقوطك وتكراره، طالما أنك تسقط بكامل حريتك فلا داعي للقلق!
انفض عنك غبار الوقت واخلع ثوب الحزن الراغف، كأن شيئاً لم يكن، كأنك أنت لم تكن!
خطيئتك الكبرى يوم أن سكبت روحك كالماء في وطنٍ جاف، كلما داهمته بانسيابك المفاجئ أتأك بجيوش العطش من باطن الأرض وامتصك طويلاً، وأبداً لن يفرغ منك إلا وقد قضى على آخر قطرةٍ في انسيابك الحر!
فلا تلومن وطن جائع يأكل أهله تحت عرض السماء، ويتلذذ باستمرار العويل والبكاء!
يوماً ما..
ستسمح حكوماتنا برواج أكشاك الحب في الأنفاق والميادين والأسواق، فلابد وأن نهيئ الأماكن للقاء المحبين، بعيداً عن صخب الزحام وأصابع الاتهام، نمنحهم تلك المساحة البسيطة على الأرض والتي هي ربما تعني لهم مساحة السماء..
يوماً ما سيباح الهمس تحت غطاء الشمس..
فجميعنا يذكر إلى الآن يوم أن ضحكت إحداهن لوجه السماء ذات ليلٍ وعلى الفور أسقط القمر هداياه على وجه الأرض، ومذ حينها وضحكات النساء محرمة على المساء!
وتلك التي ضُبطت بخدش الحياء وهي تتمايل بجسدها في وضح النهار، يوماً ما ستروي لهم قصة رجال ضايقوها كلما وطأت على الأرض طريق، ولطالما استخدمت قدرتها على التمايل لتتفادى حماقتهم إن اقتربت كلماتهم بما يزيد عن ما تطيق من مسافة، يوماً ما ستنتصر لها الأرض وتتمايل لأجلها وإن لزم الأمر تشققت طبقاتها لتفرغ خيباتها الواحدة تلو الآخرى..
يوماً ما..
سيمتهن الشعراء صمت الكلام، فلن تضطر كقارئ أن تأكل معهم خبز أمهم أو تتجرع خيبات الفقد مثلهم، ولن ترضخ السحابات للمس يدك، أو تقَصُر المسافات على مقعدك، لن تُجبر على اختبار كل هذا الجنون بعد الآن!
يوماً ما..
ستكف الأرض عن دورانها، وتتباعد الكواكب عن مداراتها ، وتتصادم الأقمار، وتلبس الجبال حُلة الأزل، وتخلع مدينتنا رداء الحزن إلى الأبد بمباركة يومٍ تُختم فيه كل حكايا الأرض بنقطة نهاية..
سينتهي حزن مدينتنا يوم أن ننتهي جميعاً!



Share To: