سبعينات القرن الماضي لا يتعدى عمري سبع سنوات ، الغجريه تطوف شوارع "الخياطة " قريتنا بثبات وثقه ،في عينيها كحل ثقيل يزيد من قبحها؛ وغموضها وعلى ذقنها خطوط : خضراء وأخرى زرقاء ، وبوجهها تجاعيد ، وكرمشات من قديم الزمان، لم أر مثلها على وجوه نساء قريتنا، يبدو وجهها ككتلة أعصاب؛ دون لحم ، لا تفارق السيجارة أصابعها إلا قليلا، لا تستطيع تحديد عمرها ،تخنق خصرها بحبل : حتى يبدو أضيق من خصر طفلة صغيرة فيزيدها ذلك نحولا ، تحمل فوق رأسها بقجة؛ يحكى أنها تعرف الغيب وتستطيع بما تأتيه من برطمه، وكلمات، وتمتمات غير مفهومه، وصراخ أن تعرف أي شئ تريد معرفته ،أخاف منها، ومن نظرتها الواثقه المقتحمه وجرأتها لمن ينظر إليها في تحدي المنتصر..... تنادي عليها احدي النساء لكي تعرف لماذا لا يأتي الخطاب لابنتها إلى الآن، و تسألها أخرى عن سبب تأخر حمل إبنتها المتزوجه منذ أكثر من عامين؟؟ ، ويسألها أحد الشباب بأنه سيسافر للخارج ليعمل هناك أم لا، وأخرى عن ولدها: متى يشفى من: داء البلهارسيا اللعين ؟؟، ترد على كل ما سبق: بثقه وثبات لا يستطيع أحد الاعتراض على شئ مما تقوله أو تتفوه به ، تتجول في الماضي تفض مغاليقه، وتذهب إلى المستقبل وتأتي بانبائه لمن يرغب من النساء، تنظر إليها النساء في دهشه وشحوب : يعلو الوجوه وامتثال لكل ما تقول ...كل ذلك بشيئ اسمه الودع ،تضربه علي الأرض وتقلبه ،كأنه القضاء والقدر ،
كنت أدور خلفها في شوارع وأزقة القرية ،يسبقني فضولي وحبي لمعرفة الغيب !
والذي كنت أعتقد أنا ونساء القرية أنه لا منطق وعلم هناك؛إلا ما تتفوه به الغجرية صاحبة الشخصية الأسطورية الغامضة ،تلصصت خلفها يسبقني فضولي وشغفي ،وهي تنتقل من مكان لآخر ،لا أعرف إن كانت إنتهبت لوجودي خلفها أم لا! أم هي شعرت بوجودي ولم تعيرني إنتباها لصغر سنى وهوان شأنى ؟؟،كانت تتمتم بكلمات وما فهمته من تمتمتها أنها:معترضه على الأجر وأنه قليل؛ على ما تبيعه من أوهام وأحلام للنساء وعقبت بحديث نفسها: هم من يريدون ذلك لا ذنب لي مبررة بيعها : الوه ،ثم يدفعون ثمنه الذي هوا عبارة عن ؛جبن ،وبيض ، وأرز وبضعة قروش ،و ما فهمته أيضا أنها كانت تتمنى لو أنها تعرف أخبار ابنها الغائب!! سيطرت الدهشه على نفسي كيف أنها لا تعرف أخبار إبنها وتخبر عن ماضي وحاضر ومستقبل .........لقد أكتشفت صورة أخرى للمرأة وعرفت حقيقتها والتي بدت خاوية هشة ،ضعيفة ؛بل بدت وأنا أتلصص عليها أضعف من نساء قريتنا حتى أشفقت عليها ،ثم شعرت بوجودي خلفها ، كانت تقاوم عبراتها، ولكنها لم تستطع ، فسقطت بعضها وتصنعت عدم الرؤية ، ،وكانت تنتحب وهى تذكر ابنها الغائب من تضاريس روحها ،وحنايا قلبها الملتاع ، ولكنها حاولت تصنع القوة بنظرة راجية متوسلة أن لا تخبر عني ما رأيت وسمعت: أيها الصغير وعدت للبيت. ....لم أعد أخاف من الغجرية ،أو أدور خلفها ثانية بعد ذلك .
Post A Comment: