اهجس أن الكتاب الذي بين أيدينا " مشكلات اجتماعية من منظور سوسيولوجي " يقدم معلومات مفيدة في حقل المشكلات الاجتماعية وحاولت قدر الإمكان ألا أطفق في سماء الخيال وألا أبتعد عن الواقع وأن أنزل بقدمي إلى قاع المجتمع أتحسس مشكلاته وأوجاعه وأمراضه الاجتماعية التي تضرب كيان المجتمع وتعمق التشققات والتبرعمات في الفضاء العمومي. 
إننا نعاني من فقر علمي ومعرفي ومن قلة المراجع العلمية، وكثيرا ماوقفت مندهشا أمام طلبتي الذين تستهويهم الملخصات ولايميلون للتقصي والبحث عن المعارف في المكتبات والمجلات العلمية والثقافية وعبر شبكة الإنترنت والبعض لا تستهويهم الحقائق القائمة على العقل والأسانيد والمنطق و المطارحات العلمية الرصينة ومشغوفون بالحفظ والتلقين وتلويك العبارات المنبرية والقراءات الخاطئة المنبجسة من مخزون علمي وثقافي ركيك، والقسط الأعظم منهم ينفرون من الكتب والدراسات العميقة ولم يجبلوا على القراءة والدرس والكدح الذهني. 
و غايتي من تأليف الكتاب هو تعميق الروح العلمية والتنوير العقلي للطلاب والطالبات ومحبي المعرفة وفتح أعينهم إلى مزيد من الإطلاع وعدم الإكتفاء بالنتف والملخصات المبتسرة ، لأن ذلك لايشجع على خلق قاعدة علمية ومعرفية سليمة ولا يمكن الطلاب من إطلاق شرارة التجديد في فضاء جامد ومتخشب بحاجة ماسة للنور والضياء للخروج من العتمة والتبلد والجهل ولتجديد شرايين الحياة .
وعلى سياق متصل ثمة أسئلة أكاديمية مهمة على همزة وصل بقلق العلم والمعرفة:
- هل نحتاج إلى كتاب جامعي؟
- وهل الملخصات والملازم ولفلفة المعلومات المقتضبة يشبع نهمنا الثقافي والمعرفي؟
- وهل الطريق معبد أمام المؤلفين الأكاديميين؟
- وهل المكتبات تحرص على حفظ وتوثيق الكتب والمجلات العلمية بصورة سليمة ؟
- لماذا لا نرى الكتاب الجامعي والكتب الجادة تشعشع في صالات وردهات ورفوف المكتبات؟ 
وأخيرا : ماذا يكسب المؤلف من وراء تأليفه للكتاب الجامعي؟ 
أنثر هذه الأسئلة في الفضاء الثقافي العمومي للمناقشة والمدارسة والتحليل والتفسير والنقد .
إن ما يكسبه المؤلف الجاد من تأليفه للكتاب الجامعي والكتب بوجه عام:
فاقة، ونكد، وتدهور صحي، وحمولة ثقيلة من معاناة الضر والبؤس والوخزات اللاذعة والغيرة والشك من أصحاب البصائر العاجزة ، فضلا عن المواقف البغيضة لجهات خبيثة لإخراس صوت العقل وملكة التفكير وصناعة الكلمة الحرة. 
مسألة تأليفي للكتاب هم لم يبارحني منذ سنوات، فهو ترجمة لصرخة داخلية ولحاجة اجتماعية وأكاديمية. 
لقد تهاطلت علي الهموم وأخذ قلقي يتضخم عندما تيبس القلم بين أصابعي، وبعد حين توارت الهموم والغيوم السوداء عندما دخلت في طقوس الكتابة السوسيولوجية ولم أجد سأما أو عثرة نفسية وعقلية واعتراني حبور لذيذ كلما أنجزت تقدما في الكتابة. 
في قلب هذا التوهج الفكري والنفسي أنجزت كتابي المتواضع لأني أؤمن أن: 
العمل هو العلاج لكل الأمراض والمآسي التي تصيب البشر- حسب تعبير توماس كارليل- .
في كل زاوية من زوايا الكتاب كنت أتخيل طلبتي وجلاسي وزملأ الصرح الأكاديمي:
هل سيروق لهم ما ورد في الكتاب؟
وهل سأكون عند حسن الظن؟
وهل استطعت أن أن أضع يدي بأنبساط على المشكلات الاجتماعية؟
فأنا أحب النقد وتهفو نفسي لسماع النقدات والملحوظات: وأفضل أن أظل تلميذا أتعلم من القراء (١).
الكتاب يتألف من ستة فصول ويحتوي على طائفة من المواضيع. 
في الفصل الأول كان الهم منصبا على تعريف المشكلة الاجتماعية والنظريات المفسرة للمشكلة الاجتماعية. 
وفي الفصل الثاني بسطنا مفهوم الضبط الاجتماعي .
وكان الأحداث وانحرافاتهم محل مدارسة في الفصل الثالث. 
أما الفصل الرابع أخذ على عاتقه تفكيك مشكلة عمالة الأطفال، فليس من الانصاف وضع الأطفال في أعمال طافحة بالقذارة والقسوة ترهق كاهلهم وتفوق قدراتهم الجسمية والنفسية والذهنية. 
والأسرة والمشكلات الاجتماعية أخذت حيزا معتبرا في الفصل الخامس .
والفصل السادس كرس عدسته البحثية على : القات كمشكلة اجتماعية، والتسول الذي يشكل جرحا في خاصرة الأمن الاجتماعي :
على الصعيد الشخصي إني اقرأ مئات الكتب قبل أن اكتب بعض الأسطر واقرأ مئات المرات مسودات كتبي قبل أن اتجرأ على نشرها . احرص على المحافظة على قدسية الكتابة. لاشيء يؤسفني بقدر الكتب التي لاقيمة لها . فالكتب التي لاقيمة لها تجتاح المكتبات وكأنها تحتل مساحات لاحق لها فيها (٢).
حاولت أن يكون الكتاب سلسا سهل الهضم بلغة طيعة مختنثة، لا يتصنع العتمة والغموض والصياغات الجامدة ينير المسالك ويساعد على نهضة العقل:
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أهيب بالدارسين أن يقبلوا على دراسة علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى بروح البحث والاستقصاء والابتكار هي نفسها الروح التي حدث بي إلى وضع هذا الكتاب في المقام الأول(٣).

الهوامش:

1- حوار مع علأ الأسواني ، دبي الثقافية( دبي) ، العدد37، يونيو 2008، ص45.
2- لقاء مع ليلى بركات، نزوى(عمان) ، العدد 55 ، يوليو 2008 ، ص14.
3- أنتوني غدنز ، علم الاجتماع ، ترجمة: فايز الصياغ ، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، أكتوبر 2005 ، ص35.



Share To: