ما زالت السيطرة والكلمة العليا لكورونا ،وما زلت فى الحظر إلا قليلا ،وما زلت خائفا ،و أواصل القراءة ،أخر ما أنتهيت من قراءته كتاب محمود السعدني(مصر من تانى )ما زلت أتذكر يوم أشتريته وكان ذلك؛ فى صيف  عام(١٩٩٠) فى نهايات القرن الماضي  بعد أن طبعت منه أخبار اليوم مليون نسخة ،ثمن النسخة جنيه واحد ، ولكنى أشتريته بنصف جنيه فقط لا غير؛ من معرض أخبار اليوم برأس البر بعد تخفيض مطبوعات كتاب اليوم خمسين بالمائة.
مصر من تانى؛كتاب تاريخ يبدأ من الفتح الإسلامي لمصر ، ولكن لم يكتبه مؤرخو السلطة ولم يؤرخ للملوك ،والسلاطين ولم يتبن وجة نظر القصور والحكام،و أصحاب نظرية التاريخ يكتبه الأقوياء
إنما تبنى وجهة نظر الصياع والحرفيين والمهمشين والشطار والحرافيش  ومن يتناقشون ويتجادلون على المصاطب،والمقاهى أمثالي ،إنه كتاب لم يكتبه المنتصر ، جاء منسابا رشيقا عميقا فى  سلسلة من  تيار  الوعي والعقل الجمعي الشعبي المتصل متدفق.. فإذا كان التاريخ الرسمي هو أخبار ومديح: سلسلة السلاطين والملوك والولاة، سلسلة لا تخلو من المؤامرات والحروب والنصر والهزيمة،والكر والفر لآخر الدهر؛ ترفع من تشاء بأمر ربي وتذل من تشاء، لا صلة بالشعب المطحون الذي لم يكف يومآ من الكدح المتواصل؛من أجل لقمة عيشه ...الشعب فى واد والسلطة فى واد آخر لا يجمع بينهما إلا عند جمع الخراج والضرائب المستحقة على الشعب من وجهة نظر  السلطة ،أو عندما يخطئ الشعب فتأدبه الشرطه وغالبا ما  يكون؛ خطأ الشعب  هو طلب رفع بعض الظلم عنه وتخفيف الجباية عن كاهلة ..
إنه كتاب فريد فى بابه ووثيقة أدبية فى تفسير التاريخ ،بين دفتي الكتاب تجربة ومعاناة شعب يكدح  ويزرع ويصنع ،وعلى الجهة الأخرى :سلطة تحكم وتجمع ثروة ولكن الشعب خارج حساباتها .
كتبه السعدنى بأسلوبه الساخر المدهش الذى يثيرك عقليا ويدهشك نفسيا.. يلخص فى جمل قصيرة مضغوطة ساخرة لاذعة عميقة؛ حقائق لا تجدها فى كثير من كتب التاريخ الرسمى ،من النتائج المدهشة التى توصل إليها منها؛ أن جماعات المعارضة على إمتداد التاريخ الإسلامى لا  تقوى ،ويشتد عودها ، وتتمدد فى المجتمع ويرتفع صوتها؛ إلا بضعف السلطة المركزية  فتتمدد المعارضة فى الأرض التى تتخلى عنها السلطة.



Share To: