عام يمضى بما فيه من تعب وألم، مدن شبعت من أخبار الموت، فقر أحاط بالميلايين، تدفق للمصائب من كل ناحية، لكنه بذات الوقت لم يخلو من منح وهدايا لا تعوض، فعشوائية الحياة قد تمنح النعمة وقت النقمة، وقد تهديك في المصائب ما يمحو كل خسارات العمر!
عام يسلمني إلى آخر، كان أكبر دروسه. توقّف عن مطاردة الحياة مثالية لا وجود لها، خذ نفسًا عميقًا واستمتع كلما استطت لذلك سبيلًا.
علمني التوقف عن فكرة البحث عن السعادة، ليكن همك النجاة والفرار من المعاناة والتعب، فأفضل ما يمكن أن نجده حاضر نحتمله بسلام.
عام رغم قسوته علمني التراجع عن الرغبة في السيطرة التامة والتحكم في مجرى حياتي، فالحماقة أوصلتني يومًا إلى تصور المستقبل من أجل الرغبة في السيطرة عليه!
الحياة يا صديقي بطبيعتها عشوائية، تتفنن سنواتها في تكسيرنا وتدمير كل خططنا، ولا تمنحنا مجرد التعديل لمجرى الأحداث، تنهك قدرتنا على المقاومة وتعبث بقوانا، فتحولنا من الإرادة الصلبة التي تتوهم الحفر في الصخر، إلى طيور مقصوصة الأجنحة ، لأننا نعيش في عالم متدفق، تسكنه الفوضى والحركة واللايقين؛ وأحداثه لا تتوقف علينا، فما جدوى المقاومة؟
لكن الغريب أن هذا الإنهاك كان له أثرًا إيجابيًا على نفسي، أهداني إلى فكرة الاستسلام وقبول الحياة والميل إلى محاكاة حركتها وملازمة إيقاعها اليومي وصيغها المفاجئة وغير المفهومة أحيانا بدلاً من المعافرة والمعاندة القديمة ككلب تجره عربة!
شيء يشبه فلسفة السباحة -كل ما ازداد التيار شدة تعين عدم مقاومته- فلازم تدفق التيار ودعه يحملك حتى تعبر النهر بسلام، فكل من يتعب قواه ويستنفذ طاقته سيغرق نفسه بلا طائل!
قد تربكك خسارة عملٍ وتغلق في وجهك الأبواب لينفتح لك سبيلا أكثر أمانًا للعيش، قد تتوتر بلا جدوى وتضاعف معاناتك على أمر تكتشف لاحقا أنه لم يكن بالأهمية التي كنت تظن، قد تفقد علاقة تعتقد أن حياتك ستتوقف عليها فتلقى أخرى أكثر ملاءمة لظروفك، قد تكون أحلامك ذاتها سببًا في تضخيم مصائب افتراضية، تملأ أيامك بالفزع ويتولى الواقع نفسه تكذيبها!
هذه المجارة للتدفق والتصالح مع كون الحياة بذاتها ورطة، يحول الشعور بالإحباط إلى فعل إيجابي تستخلص منه الفرح، وابتسامة باردة تسخر بها من ذاك العبث، ستستقبل كل مصيبة وخذلان وألم ببسمة هادئة تحررك من ثقل الأيام وغرابة الحياة.
فيارب عامًا ننجو فيه بسلام في تلك المرحلة الصعبة، مزاج رائق وروح خفيفة وصحة معافاة، ونفس تحظى بقدر قليل من الألم ومسببات الإزعاج فقط لتلمّس الراحة.
Post A Comment: