قابلني صديقي الصغير مثلي، والذي ليس هناك داعي لذكر إسمه الآن : فنحن الآن في الثانية عشر أو الثالثة عشر  ،وأنا في طريقي للمقهي وأوقفتي وقال لى :
  -"أريدك في أمر مهم يخص مستقبلنا" قالها بتجهم وصرامة شديدة ،وكأنه يتحدث عن مصير منطقة الشرق الأوسط، وكأنه سيقوم بحل مشاكلها السياسية المعقدة المزمنة ، ثم أردف بصرامة أشد دون أن أنطق بكلمة واحدة : 
 - نحن الآن كبرنا ولابد يتغير وضعنا. 
فقلت له ببعض الإندهاش:!
 - وكيف ذلك وما هى الوسيلة لذلك .. ؟
فقال على الفور وبإصرار شديد قرأته من نظراته :
 - لن يحترمنا أحد إلا بعد القيام بتدخين السجائر على الأقل فى أول الأمر، حتى نصبح فى أعين الناس رجال. 
وأكد بأسف أشد أن هناك من هو أصغر منا بعام دخلوا عالم الرجولة بالتدخين، بل والحشيس أيضا ،وأنه لا يصح أبدا أن نظل في عالم الطفولة ولا يحترمنا أحد.....
سألني إلي أين أنت ذاهب؟ قلت:
- للمقهي أشاهد فيلم رصيف نمرة خمسه ،ومعي خمسة قروش اشرب بقرشين شاي وقرش لب أسمر  ولا ادري ماذا أفعل بباقي المبلغ  ربما أشرب طلب آخر لم أتخذ قرار بعد.  فقال لي بلهجة آمرة :
-  ناولني الخمس القروش ناولته إياها ثم أردف انتظرني سأشتري علبة سجاير عشرة، ومشط كبريت وسنكون رجال أبتداء من اليوم وسيحترمنا الجميع وأنا أنتظره مر من أمامي ولد يبلغ من العمر حوالي عشر سنوات، فنظرت له قبل أن أشفق عليه لأنه ما زال في عالم الطفوله ولم يدخن السجاير  بعد قليل ويصبح رجلا مثلي أنا وصديقى  الذي ذهب  يشتريها ... 

 وبعد أن عاد بالسجاير قال : 
- لقد أشتريت السجاير والكبريت بخمسة : قروش   وبالباقي  ملبن ولب ..... ثم أخرج سيجاره واحدة من العلبة لندخنها سويا مقسمة علينا الأنفاس بالعدل  والتساوى هذا قاله .. ثم أشعلها بطريقه احترافيه مثل  نجوم السينما المصرية وخاصة محمود المليجي وهو يفكر في مكيدة شريرة يؤذي بها بطلة الفيلم ويقضى على مستقبلها، والتي هي دائمآ جميلة و بريئة وأنا في كل الأحوال متعاطف معها ، وشد صديقي عدة أنفاس متلاحقه باحترافية أشد وأخذ يطلق دخانها باتجاه قبة السماء بنشوة عارمة ، يبدوا أنها ليست المرة الأولي له في التدخين.. ثم ناولني السجارة وقمت بشد  نفسا غشيما ثم بدأ يوجهنى وينصحنى كيف أشد الأنفاس، وفعلت مثل ما قال ثم احتبس الدخان في صدري وحلقي وأخذت أكح كحة شديدة ، ودمعت عيناي وشعرت بدوخه ودوار لم أشعر به من قبل، كدت أقع علي الأرض.  ثم تمالكت نفسي وقلت له:
 - لن أدخن بعد الآن لقد أقلعت عن التدخين نهائيا وهو يسخر منى ويضحك علي ما حدث لي.... وقلت له
 - خذ السجاير واللب والملبن لا أريد منك شئ ، وذهبت للبيت بعد أن تبددت الخمس قروش  ولم أستطع الذهاب للمقهي بسبب ذلك.. فالحقيقه لم أكن آسف علي شئ إلا علي عدم مشاهدة فريد شوقي النبيل الطيب ، وهو يضرب محمود المليجي المجرم ، الشرير ، ويقبض عليه  منتصرا للحق ،و علي زكي رستم بعد التآمر عليه وقتلهم زوجته وتسببهم في فصله من الشرطه وكنت أيضا متعاطف مع إبن فريد شوقي في الفيلم، فيلم رصيف نمرة خمسه، والتي حرمتني من مشاهدته عملية التدخين الفاشلة. لم يتوقف صديقي والذي فاز بالسجاير واللب والملبن وحده  عن التدخين حتي الساعة وأنا لم أدخن  بعد عدة الأنفاس الغشيمة قط...



Share To: