_لا يسُرُه ابداً ما يحدث في البلد؛
يشتكي الحال التعيس بلسان لاعنّ، يكره الساسة ويحزنهُ حال المواطن، يعمل عتالاً في شارع الحرية الذي أصبح كالسجن بالنسبة له، إبن الثامن والسبعين حولاً هو، وقف في منتصف السوق العربي وبالذات أمام "طلبية" كبيرة لونها أصفر خُط عليها باللون الأحمر "تحذير" من وزارة الصحة الإتحادية، مفاده أن (التمباك ضار بالصحة) بالخط العريض يتمترس إسم يليق بكل ابجيقة "مرسى الفاشر" كان الرجل الذي تغطي وجهه التجاعيد يُحب هذا الصنف، يتباهى ب "طريقة التمطير" التي يُقدمها ذلك الرجل لزبائنه، كان التبغ موطنه ويفخر به ك جزء من خيرات الوطن الكثيرة الذي جاد بها على الكون، أخرج من جيبه رتقة من قُماش، تفحص دواخلها فاخرج قطعتين ورقيتان باللون الأخضر، مدّهُما بيد مرتجفة إلى القابع خلف الزجاج، ناداه بصوت مبحوح وقال : " جيب دعول!".
تفحص البائع الأوراق النقدية وقال :"الكيس بي خمسين يا عمك".
إحمرّ وجه الرجل فجأة وظهرت عروقه التي كانت تُشكل تياراً من الدم المغلي وقال : "كيف يعني خمسين!!!".
_"والله يا خال انت عارف حال البلد، الترحيل مع الجاز الغالي دا، والشغل كلوا م جايب حقو".
لعنّ الرجل الثورة والحكومة الجديدة ومطلوقات السوق العربي اللاتي لم يكن لهن ذنب في ذلك، هتف في وسط الناس بكلمات بذيئة وصوت جهور، ألتفت عليه كل من في الطريق، رمقهم بنظرة يتدفق منها الشرر؛ نظرة كانت ك احتراق غابة في مهب رياح عاتية، رجع كل من في الطريق إلى ما يشغله، استخرج ورقة من فئة العشرون جنية من الخرقة البالية وقال :"هاك دي كدا أربعين كفاك".
تبسم البائع وقال "طيب تمام".
أخذ الرجل كيسه وراح يطبطب عليه مُخرجاً من خلجاته "سفه دُقار لوري" وضعها في أسفل شفتيه وتمطى بسعادة؛ بصق بواقي التبغ من أسنانه وفمه وطنطن على الحال، تمتم ببؤس على الوضع، توجه في إتجاه شارع التأمينات، وقف في قلب موقف الجرافة متعثراً للوصول الي حافلة، أكثر من اللعن في ذلك اليوم، جاهد وركب الحافلة يلعن الوضع ويُحرض المجاور له على أن يُناضلوا، إتهم الكل بخيانة الثوار والشهداء، لعنّ الدكتور عبد الله حمدوك، أفرغ بؤسه في العسكر بشتائم تشبههم، أغمض عينيه فأخذ عفوة الهالك والمُعذب.
توقف السائق في آخر محطة عند الساعة السابعة مساءً، حاول رجل النزول من مقعده فإذا بجاره يقف له متراساً، حاول أن يُجبره على أن يستفيق ولكن لا أمل، هتف طبيب من الجالسين في الخلف بعد التأكد من المنظر أن الدوام لله.


Post A Comment: