لولا المجهول الذي تخافه وتتمنى لكل أمنية في حياتك أن تسير أحداثها وفق خطتك لما كان للأمل معنى، لولا الكد والتعب لما كان للراحة معنى؛ عشت طفولتي وسنواتي البكر محاطًا بالنعمة، أعيش في بيت واسع وفراش وثير، حين انتقلت إلى بلاد الغرب لم أكن أتخيل يومًا أن أقصى أمنيةٍ لطالبٍ يريد أن يدرس في فرنسا مثلًا، أن يجد سريرًا ينام عليه بسهولة، لا أقول شقة فهذا من الأحلام المستحيلة، بالنسبة لطالبٍ لا يملك عقد عمل يساوي ثلاثة أضعاف ثمن إيجار بضع مترات يعيش فيها، لا يدفع ضرائب لأنه في شريحة الطلبة وليس لديه ضامنًا يعمل منذ سنوات براتب كبير، إلى آخر هذه الشروط التعجيزية لمجرد الحصول على مأوى.

كان الحل أن يحدث تضامن طلابي، أحد الطلاب الأثرياء يستأجر شقة بضمان راتب ابيه مثلا، ثم يبحث عن شخص أو اثنين للسكن معه، فيعطي كل واحدٍ منهما غرفة من بضع مترات أو سرير، حتى لا يدفع الايجار الباهظ وحده. 

لم أكن أتخيل يومًا أن فكرة إيجاد سرير تنام عليه ستكون قضية، فكرة أن تظل تبحث شهورًا عن سرير تنام عليه، كان بمثابة صفعة لي، للتذكير بنعم لم توفى حقها من الشكر. لدرجة أن بعض الأصدقاء كان يقيم حفلًا لأنه وجد مكانًا ينام فيه بعد رحلة صعبة من البحث ربما تدوم سنة!

بعد ما عاينت هذه التجارب البسيطة وغيرها، صرت أكثر تقديرًا لأي سرير،  صرت أحبه وأتحسسه قبل النوم عليه، ومن فرط الامتنان كنت التقط صورة لجدران المنزل الذي أعيش فيه وحدي وأسكنه الآن تقديرًا لتلك النعمة التي أملكها ولم أكن أشعر بها. 

‏يقولون أن الإنسان بحاجة إلى مسار فكري طويل، وخوض تجارب عميقة، حتى يصل إلى إدراك العالم  وإحساسه بالأشياء، ‏وعلى ما يبدو أن طبيعة الكون ونظام الحياة يخبرنا أن أعمق التجارب الإنسانية تأتي ممزوجة بالألم، لأن الخبرة الإنسانية تحسب بمقدار الألم لا بمقدار الزمن.

لذلك حين تمر بظروف صعبة وأيام بائسة لا تكثر العويل وتشكو وتلعن الحياة، لأن هذه الظروف هي التي ستجعلك تحفل بالأيام العادية، ستهبك الطمأنينة وتجلس ممتنًا ليوم جديد قد طلعت شمسه من غير حروب جديدة.






Share To: