تقديم : 

ما ٱلشِّعْرُ إلاَّ أَصْواتُ ٱلذَاتِ ٱلرَّاغبةِ في ٱلْبَوْحِ ومُشاركَةِ مايَخْتَلِجُهَا من مشاعر وأحاسيس ومواقف مُتباينةٍ مع ٱلْمُتلقِّي ٱلْمُفْتَرَضِ لِهذا ٱلْبَوْحِ والصَّهِيلِ ٱلدَّاخِلي ٱلّذي يُحَاوِلُ أن يَعْبُرَ عَبْرَ ٱلْحَرْفِ وٱلْكلمةِ إلى عوالمِ ٱلْآخرِ للكَشْفِ عن تَضَارِيسهِ، ناهِيكَ عنْ كَوْنِهِ تعْبيرٌعن الرُّؤْيَةِ الْخَاصّة  تُجَاهَ الْعَالَمِ والْمُحِيط.

احْتَرْتُ في تقْديمِ حُرُوفِ ٱلزَّجالِ "محمد روخو" ٱلْمَوسُومةِ بجنان ٱلشَّوك ،فعَتبةُ ٱلْعُنْوانِ تُفْضِي بٱلْمُتلقي لفرضِيات عدًّة للقِراءة والتَّأويـلِ.

فٱلْجنان في ٱلْعَادةِ يُحِيلُ علَى فضَاءٍ مَرغُوبٍ بِهِ وعلى أشياء جَميلةٍ مُشْتهاةٍ تَرْغَبُ بها ٱلنَّفسُ وتَنْزعُ إليها نُزُوعاً..بَيْدَ أن ٱلتَّوْصيفَ ٱلذي جَعَلهُ ٱلزَّجالُ لهذا ٱلْجنان يُخَيِّبُ أفق ٱلْانتظار فهو جنان شوكٍ يقتَرِنُ بٱلْألَمِ عِنْدَ ٱلْوَخْز،ٱلشًوك بما هو إحالة على ٱلْوجعِ، وٱلْوخز ٱلذي قد يتسبب بنزيفٍ تتفاوتُ درجاته وحِدَّته.
هِي سَفِينةُ ٱلْحَرْفِ ٱلثَّائرِ تُعرِّي ٱلْواقع بكل زَخَمِهِ وتناقُضَاتِهِ من خِلالِ حُرُوفٍ ثَائِرةٍ ..لمْ يمْتطِ " محمد روخو" زورق ٱلْخَيالِ وٱلتَّخْييلِ لتشْكِيلِ مادة هاتِهِ ٱلْأضْمُومَةِ ٱلشِّعرية ٱلزَّجلية، بل ٱرتادَ عوالم وأفياء ٱلْواقعِ وٱلْمُحيطِ  لِيَكْشِفَ عن صُورٍ مُجْتمعيةٍ عدة بلغةٍ زجَليَّة أنيقةٍ وبنزْعةٍ تنْحُو نحْوَ ٱلتَّمَرّدِ وٱلثَّورةِ علَى صُورِ ٱلزَّيْفِ وٱلظُّلْمِ وكل أشْكالِ وصُنوفِ ٱلْغبنِ ٱلتي تطالُ بَني ٱلْإنْسان.. ترْتسِمُ ٱلصًّورُ تِباعاً وتعْبُرنَا كمَا لوْ أنها صُورٌ حيَّة ناطقةٌ توصيفية لواقعٍ مريرٍ حافلٍ بخضَّات وتناقُضاتٍ كثيرةٍ.

فٱلزَّجالُ يَقُومُ بعمليًّةِ تشريحٍ لواقعهِ ٱلْمُتناقضِ ٱلْمُتنافرِ ٱلذي يَتَبدَّى في صُورٍ شتَّى ويَتغنَّى بٱلسَّلام وٱلْوئامِ في ٱلْقصيدة ٱلْمَوسومة بـ: " شجْرة وحْده " ، فيثور بحرفه ضدَّ  كل أشكال ٱلْحَيْفِ وٱلْجَوْر وٱلْفوارقِ ٱلطَّبقيـة.

إنَّ ٱخْتيارَ ٱلشًاعر \ ٱلزًجال"محمد روخو" عُنْوان" جنان ٱلشَّوك" لأضمومته، يُؤشر على كون ٱلصُّورة ٱلتي يرغبُ في نقْلها للقارِئ هي صُورةٍ سَلْبية، وكأنه قد ٱسْتشْعرَ وَخْزَ ٱلشَّوك وآلالامه ولم يقطِف إلاَّ ٱلْأشواك ٱلتي تكُونُ في ٱلْغالبِ مُدْمية ونازفة، وبٱلرَّغمِ مما يَشِي به ٱلْعنوان من ألم وأنِينٍ من خلال مفردة " ٱلشَّوك"، إلاَّ أنّ تصفُّحَ بعض نُصوص ٱلْأضمومة ٱلزًّجلية يكشف عن حُروفِ أَمَلٍ تنْكتبُ من خلال نص: " لَكلمة لَحْنينة ".
محتاجين للبسمة تْفاجي علينا
بغينا لورود والْكلمة لحْنينة
بغِينا حب وسَلام

خليو لقلوب صَافية 
يتُوق الشَّاعر لعالم يسُوده الْوئام والسَّلام وتنْمحِي فيه الأحقاد والأضغان.
عافاكمْ باركا خلاص 
من الْحقد والْكُره عْيينا
راه الدنيا رايْحــة
ما دايمة لينا
يُحسُّ ٱلشًّاعر بٱلضَّيمِ وٱلظُّلمِ فيُعَبِّرُ عن ذلك في نُصُوصِه كما في ٱلنًصِّ ٱلذي ٱجْترحَ له عنوان : 

" عَماقْ البِيرْ".
إنَّها ٱلذَات تُعَانِي من ٱلتَّمييز، تصْرُخُ في وجْهِ ٱلْحَيْفِ، تُنَادِي بٱلسَّلامِ وٱلْمُسَاواةِ وٱلْحُرِّية.. يقول في قصيدة " الْحَال هو الْحَال" :

ياك أنا إنسان ونْتا إنْسان
فكفة وحْدة ونفْس الْمِيزان
وفي نص : " شجْرة وحْدة "

يَتبدَّى نُزوعُ ٱلْمُبدعِ نحوٱلتَّآخي ورغبته ٱلْمُلِحَّةِ في ٱلْعيش في إخاءٍ ومَودًةٍ،إذ تَهفُو نفسه نحو زرْع شتلات ٱلْخير وٱلْمحبًة وٱلْإخاء ونبذِ كل أشْكال ٱلْعُدْوانِ وٱلتَّغَنِّي بألحان ٱلْحُرِّية.

يقول :
خُوك أنا ونْتا خُويا 
ما أنا برًاني ما أنْتَ عْدُويا
ٱلْأضْمومةُ ٱلزَّجليةُ رسائل تَعْبُرُ ذات ٱلْمُبدِع فيتشاركها مع ٱلْقارئ، هو صوته يَجْلدُ ٱلذَّات حِيناً وحيناً آخر ٱلدَّهر ٱلذي يَنْتصِرُ لأصْحاب ٱلْمالِ وٱلْجاهِ ويُقْبرُ صَوت ٱلْفقيرِ، وهذا ٱلصَّوت يُسْمعُ في نصِّ " زْمان ٱلْمَال".

جنان ٱلشُّوك هَمْسٌ صَارِخٌ  يَعْبُرُ ٱلذَّات ٱلْكاتبة ٱلتي تُحاولُ أن تنْتقلَ صرخاتها وأنينها ورغباتها وَتَوْقها لِحياةٍ آمنةٍ دُونَمَا ظُلمٍ ودُونَمَا أشْواكٍ دَامِيةٍ.

يُخاطِبُ ٱلزَّجالُ في نص : " يالحرف " الْحرف، وكأنه كائن عاقل، فَهُوَ يأْملُ أنْ يكون ٱلْحرفُ مُقاوماً لصدأ ٱلسَّطورِ وٱلْجَهْلِ ..صوْتاً عاقلاً يُعَرِّي ٱلْواقع، إذْ يُجرِّدُ من ذاته صوتاً \حرْفاً ويُخاطبه :

نترجَّاك يالحرْفْ 

كونْ شْراعْ لسفينه
فبحُورْ هَايْجَه
تصدًى وقَاوَمْ
لفكار مسْمومه رَايْجَة
,,,
كونْ فَاهْمْ ورْزينْ
كونْ لْبيبْ وعَاقَلْ
ورغم ملامحِ وتجلِّيات ٱلسَّوْداويةِ في ٱلدِّيوان، إلاَّ أنَّ ٱلزَّجال مسْكُونٌ بزوالِ وٱنْمِحَاءِ عَناوينِ ٱلظَّلام، وهذا ما نتلمسهُ في ٱلْمقطع ٱلأخير من نص: " الزَّمان" :

لازم دُّورْ لِيَّـامْ
ويرْجَعْ لعود بْلجامْ
لازمْ يْتفَاجَى لْحَالْ
ويَزُولْ الظَّـلام

فٱلذَّات ٱلثّائرة ضد أمواج ٱلْقهرِ وٱلظُّلمِ وٱلتَّمييزِ تتزيَّا بلغة ٱلْأملِ وٱلتَّفاؤلِ بعدما كانتْ مُرتدية زيً ٱلسَّوادِ وٱلتّشاؤمِ.

وبٱنتقالنا بين نصوص ٱلأْضْمُومة ٱلزَّجلية نتوقف عند ٱلْقصيدة ٱلثامنة عشْرة حيث يقتربُ ٱلزَّجال من عالم ٱلذَّات ٱلْمُغْتربة ٱلتي تُحِسّ بٱصرامِ ٱلْعُمرِ وبخَرِيفِيته وتُكابدُ من تَكالُبِ كَدمَاتِ ٱلْحياة..ٱلذَّاتُ ٱلْمُبدِعة ٱلتي ٱنْخرطتْ في حالةِ " الْجدْبة"، إذْ يقول :
حالي زادْ حالوا 
ولِّيتْ مجْدوبْ 
ساكْنَنِي الْجَدْبَه

يَسْتغرقُ ٱلزَّجالُ ٱلشِّعر ٱلسَّياسي ٱلْمُرتبط بٱلْوطنِ وبٱلذَّات ٱلْجَمْعِية ٱلتي تكْتوي بِلهيبِ ٱلْمَيْزِ ٱلطَّبَقي،وبٱرْتفاع ٱلْأَسْعارِ وبٱلْاسْتغلالِ وبِغيابِ ٱلْكرامةِ وٱلْعدالةِ ٱلْاجتمَاعيَّــةِ.

إنَّ ٱلذاتَ ٱلْمُبدعة تُنصتُ لِنَبْضِ ٱلْمُجتمعِ وٱلشَّارعِ فتنْحَتُ ٱلْمُعاناة سُطوراً شِعريةً مُعبِّرةً عنْ هذا ٱلْوجعِ.

إنَّ ما يَمِيزُ هذهِ ٱلْأُضْمُومَة الزَّجلية ٱللُّغة ٱلْبَسِيطة ٱلتي يُمكنُ تصْنيفُها في خانةِ ٱلسَّهل ٱلْمُمتنع، إذْ يَرُومُ ٱلشَّاعرُ تبليغ صوته للمتلقي ٱلْبَسيط بلغَةٍ زجليَّةٍ قريبةٍ من ٱلْأفْهامِ وٱلْمدَاركِ..ومن ثَمَّة فَهُو يُخاطبُ ٱلْعَامًة قبلَ ٱلنُّخْبَةِ.

كَما يَرُومُ إلَى مُشَاركَةِ هَوَاجِسِهِ وٱنْفِعَالاتِه ٱلتي تتَرَاوَحُ بينَ مَوْجةِ ٱلتَّفَاؤُلِ وٱلْإيمَانِ بٱلْكَرَامةِ وٱلْحُرِّيَّةِ ٱلْإنْسَانيَّةِ وبٱلْعدالةِ ٱلْاجتماعيَّةِ، وبينَ مَوْجَةِ سَوْداويَّةِ ٱلْواقعِ بكلِّ مآسيهِ وزَفَرَاتِه ونُدُوبهِ وأَوْجَاعِــهِ.

هُوَ ٱلذَّاتي وٱلْمَوْضُوعِي يَحْضُرُ في هذهِ ٱلْأضْمُومة ٱلزَّجلية، إذ لا يَجْسُرُ ٱلْقارئُ \ ٱلْمُتلقي ٱلتَّمييزَ بينهما ..فٱلزَّجال يَثُورُ ضِدَّ كُل صُورِ ٱلْقَهْرِ وٱلظُّلْمِ وَيَتُوقُ لعالمِ ٱلْمُساواةِ وٱلسِّلْمِ وٱلْكرامَةِ ٱلْإنسانية ٱلتي باتتْ مَفْقودة في عالمهِ.

وصَفْوَةُ ٱلْقَوْلِ أَنَّ ٱلتَّجربة ٱلشِّعْرية ٱلزَّجلية  لــ: " محمد روخو"  تَسْتَحِقُّ أن تُقْرَأَ وتُشَرَّحَ في سياقها ٱلذَّاتي وٱلْمَوضُوعي، وبكلِّ أبْعادِها ٱلْإنْسَانِية بمَنْأى عن لُغةِ ٱلْعُنْوانِ ٱلصَّارخِ ٱلذي قَد يُضَلّلُ ٱلْمُتلقي ويجعله في مَهَبِّ تَسَاؤلاتٍ عَدِيدةٍ قدْ تُفْضِي بهِ إلَى عَدمِ ٱلرَّغْبةِ في مُعَانقة ٱلْعمَل ٱلْإبْداعِــيِّ.

فكمَا أسلفت عتبة ٱلْعنوان كثيراً ما تَكونُ مُخادِعةً فتقودُ ٱلْقارئ إلى متَاهاتٍ تأْويلِيَّةٍ..لذلك فلْنَحْذَرْ دوماً ٱلْعتبات ٱلْقِرائية ولننْفتحْ علَى ٱلْمُنْجزِ ٱلْإبْداعِي لكيْ نسْتكْنِهَ مَفَاوِزهُ ومسَالكهُ ٱلتي قد تَجْعلُنا نُمْسِكُ ببعض خيُوط ٱلتَّجْربة  ٱلْإبْداعية ٱلتي يَخُوضُها ٱلْكاتِب.

استنتاجات :

يكتبُ "محمد روخو" ٱنعكاسَات ٱلذّات وٱلْمُحِيطِ  فيكشِفُ عن تمَزُّقاتٍ عِدة تَطَالُ ٱلذَّات ٱلْكاتبة كما ألْمَعْنا إلى ذلكَ في ٱلسَّالِفِ من ٱلْأسْطُرِ.

وتنْكتب ٱلْمجموعة ٱلزَّجلية من خلال واحدٍ وأربعينَ نصّاً زجليّاً يَجْنَحُ فيها ٱلْكاتب نحو لُغةٍ زجلية واصِفةٍ تُسلِّطُ ٱلضَّوءَ على قضايا إنسانية ومُجْتمعية وذاتية باتتْ تؤرِّقُهُ فتَمَثَّلَهَا في هذا ٱلصَّهيل ٱلذي ٱجترَحَ لهُ عنوان : "جنــان الشَّـوك".

هُوَ ٱلزَّجَّالُ مَسْكُونٌ دُونَمَا تَثْريبٍ بٱلشِّعر ٱلْمُلْتَزِمِ، لِذَلِكَ جاءَ صَوته صادحاً بِقِيمِ ٱلْكَرامَةِ وٱلْعدالةِ ٱلْاجتماعيَّةِّ، إذْ آمنَ بٱلْإنْسان وقضَاياهُ ٱلْعادِلة ..فظَلَّ يَصْرُخُ ضِدَّ ٱلْجلَّاد ٱلذي يجْعلُ من ٱلْأحلامِ أشْــواكاً تُدْمي ومشَانقَ تُكبِّلُ أفق ٱلْحريَّةِ وعوَالم ٱلْإنْسان ٱلْحَالِمة، ومع ذلك تَرْشُقُ سماءهُ أجنِحَةٌ مُحَلِّقَةٌ في فُسْحَةِ ٱلْأمَلِ وٱلتَّفاؤلِ في غَدٍ أفْضَل ..فعَسَى أنْ تَنْكَتِبَ للزَّجال حُروفاً أخْرى بِلَوْنِ قَوْسِ ٱللّه لِيَرْحَلُ ٱلشَّوْكُ عنْ عَرصَاتِه وعَرْصاتِ الْوَطَنِ.

وختاما أتْرُكُ للقارئِ ٱلْمُفْترَضِ ٱنتقاء ٱلْبوْصلة ٱلتي تُوائِمُهُ لاسْتِكْنَاهِ عوالمَ ٱلْكتابة ٱلزَّجلية عند " محمد روخو" \ أبو حـاتم.
ويبقى هذا ٱلتَّقديم ٱلْمُتواضع لهذه ٱلْأُضْمُومة ٱلزَّجلية مُجرَّد قِراءةٍ عَاشِقةٍ تنْفتحُ على هَذا ٱلْمُنجزِ الإبْداعي ٱلْأول للزجَال "محمد روخو" بَعِيداً عن لُغةِ ٱلنَّقدِ ٱلْمُتَخَصِّصِ ٱلذي له ٱلدٌّربة علَى ٱلْغوْصِ في ٱلأعمال ٱلْإبداعية وبِمُكْنتهِ سبْرَ أغوارِها ٱلْعميقةِ ودلالاتها ٱلْمُختلفة مُتبنّياً في ذلك ٱلْمَنْهج العلْمي ٱلْخليق بٱلْقراءةِ وٱلنّقْدِ وٱلتَّأْويـل.. كما تجْدرُ ٱلْإشارة إلى أنَّ قراءةً عَجْلَى في هذَا ٱلْعَملِ تبْقَى قاصِرةً عن تقريبهِ منَ ٱلْمُتلقِّي.. فتفاعلكم هو ٱلكفيلُ بٓسبرِ أغوار هذه ٱلتَّجربة ٱلْإبداعية.






Share To: