"هكذا أقسم الجسد"، مجموعة قصصية للدكتورة نبيلة عبّودي، صدرت عن دار فضاءات، عمان، تتضمّن سبع قصص، تثير في مجموعها سردية الأنثى المدمغة بالبوح.
يمتثل القص لجدل الأنثى الماضية في انتشال ذاتها من براثن المظلومية أو الوحدة، المجتمع أو الذات، أو هي الباحثة عن الحب والدفء في عائلة الحياة أو العائلة باعتبارها خليّة تستدعي الاتصال لا الانفصال. 
إنّ السّرد أنثوي، بطريقة أو بأخرى، لذا تنساق خلفه الأنثى أو الصّوت الأنثوي داخل متاهة الحكاية، لتقول ذاتها "شهرزاد" شهيدة الغارات الشّهريارية: "تركته غارقا في الصّمت.. ومضيت.. لم أفهم"/ص 20.
"بين حرفين"، كلام حين يكتب التاريخ برسم التجربة وأنين المأساة المستعرة في جوف الوحدة: "بالأمس اخترت العيش سجينة بين حرفين، واليوم ليس لي إلا العيش في الصّمت، وللصّمت"/ص32. المدى الواصل في نبض المجتمع، يكتبه السّرد كحالة من مآلات الاقتران بين النسيج الاجتماعي والفردانية كوضع شاهد على سعادة أو مرارة العيش داخل البيت أو "الألفة المحمية" بتعبير باشلار، المعد سلفا لنحت أثر التّجربة الإنسانية.
"على تضاريس الاغتراب نثرت أفكاري"/ص23، بداية القصد تدمج الذّات في حلقة الوصل بين فضاء الاغتراب الذي هو المجتمع أو خليته الأولى الأسرة، وبين ما يمكن بواسطته نقله (الاغتراب) وهي اللغة (الأفكار)، وهنا تأتي أهمّية الكتابة باعتبارها عامل فك العزلة، تلك التي سجّلتها القصّة في معاني السّجن، الصّمت، الاغتراب...
الاقتراب من الرّجل، يجعل الأنثى في مكان اللامكان، أو عالم اللاأشياء، تلك هي الحالة التي تقتنص بها الأنثى عالم الرّجل: "لكنّني أحرقت قلبك وعرفت سرّك"/ص42، الاقتراب من الرّجل، من القلب، بعض الارتعاش أو الخوف الممزوج بالحذر، هل يسعى كلاهما في معركة "الحب" إلى امتلاك الآخر أم الامتداد فيه عبر ما يشعرانه في مسافة اللقاء؟ 
يستلم نص الأنثى شكل الحياة، ربّما، من "انتظار" لا يقوم مستقيما سوى في خيالها، انتظار يجعل العمر نهاية عند نقطة لا سطر بعدها. يبدو أنّ كل مشاريع الأنثى متوقفة "سرديا" على شكل جملة تشي وجه "عاطفة" حارّة، خجولة واقفة عند باب رجل كـ "الخريف"، مزاجي حدّ إخلافه لكل مواعيده. هل هي استطالات النص الأوّل للأنثى الهوية "شهرزاد" حيث جعله السرد (النص) مرحلة وجودية للإنقاذ، أم هي رصانة الأنثى وهي تبني رصيفا طويلا للانتظار: "أنا في الانتظار يا رجل الخريف !"/ص56.
تمتثل سردية الأنثى/حكاية البوح لبرهة النّهاية تنتظر من اللغة أن تتكلم بدلا عنها لتقول ذلك الآخر، هل مرايا السرد بعيدة حتى لا تحيط بشكل الأنثى إلا وآخرها معها، بعيدت أو قريبا، ذاك هو الزمن الذي يشكله السرد وهو يقترب من حكايا العزلة الأنثوية التوّاقة إلى الفرار أو ملاحقة الرجل. مأساة الأنثى منذ النص المؤسّس للخلاص، شهرزاد تعاود الحكاية منذ البدء في عزلتها الشّهريارية، أو استفرادها بالرّجل وغارتها عليه نصّيا، معطّلة قواه الفكرية والعاطفية: "ألم يحن الوقت بعد؟"ص64، استعجال النهاية، نهاية الزمن ليبدأ النص وتبدأ الحكاية.
نطاق الانفصال أو الاتصال بين الرّجل والمرأة، هل يحدّد ذلك هو أم هي؟
تنسج خيوط الألم كي ترسم على لوحة الاتصال مآلات الانفصال وكأنّه حتمية لابد أن تحدث وبوجع المأساة، يمكن أن يكون النص هو أداة الأنثى كي تدير المدى المحتمل للانفصال طلبا للمواساة: "مات فعلا يوم مزّق رامي صورة العائلة، وأدرك أنّه لابد من الانفصال"، تبرز قوّة هذه الجملة في كونها صوتا داخليا ينتشر بصدى مريع كما مفهوم "الموت" المشوب بصورته كغاصب لأحلام الطفولة (رامي)، بعدٌ يشحن كتلة البوح ويجعل سرديتها نسجا لحكاية أخرى تجعل الأنثى ساردة ذات طبيعة خاصّة، ومنه يوضع في الميزان بوح الرّجل، هل كانت تقصد القاصّة إحراج الآخر (الرّجل) باعتباره خزّان الفراغ في منطقة الاتصال، وبالتّالي فهو دوما الأداة المثلى لتفجير مناطق الانفصال؟
في الأخير يطرح نص الأنثى عبر ما قرأته للقاصة نبيلة عبودي، إذ في جعبتها مجموعة قصصية "ولم يكتمل القمر" ورواية "مرآة الروح" ومنه المجموعة القصصية الحاضرة، إشكالية نص البوح وإمكانيات التشابك مع القص أو الرّواية حدثيا بما يجعل الحكاية أكثر بروزا في العمل، ومنه، يصبح سؤال النص الأنثوي مبرّرا عند حافّة تقنيات التطوير النّاجمة عن تجربة المرأة باعتبارها كيانا يختلف في رؤيته للعالم وتعامله معه انطلاقا من علاقات الاتصال والانفصال مع الأشياء فكريا وعاطفيا. طبعا يمكن أن تكون هناك قصديات ممكنة ومحتملة لدى الأنثى تجعل من البوح كموضوعة عتبة متواصلة مع "حكاية البوح".  







Share To: