تجلس بالقرب من ذاك المصباح صاحب الضوء المتراقص على جدران منزلا شارف على الانهيار، وهي تحدق إلى صورتها المنعكس في زاوية هذا المنزل شاردة العقل تفكر بما سيحل عليهم غدا ولكن هل سيكون هناك غدا ؟ ابناءها يلعبون بالقرب منها ويركضون خلف ظلهم ظانين بأنهم سيمسكونه وضحكاتهم تسابق خطواتهم ..
يصرخ الاطفال أمي ... أمي سيأتي المطر سيأتي المطر 
ضوء البرق ودويء الرعد الشديد اسكن في قلبها الرعب لاتكاد تميز شيء ...
تأخر الأب ومنتصف الليل بدأ يرتدي ثوب الظلام الموحش  ذاك الظلام الذي يغطي كل شيء حتى الأمل البسيط قد إنطفأ واصبح كل شيء حولها قطعة سواد تعيق الرؤية حتى القمر في تلك الليلة اختبئ لكي لا يرى ملامح حزنها .
من يسأل عن تلك المرأة ..لا احد يسمع مناجاتها سوى خالقها ...بدأ المطر يتدرج في هطولة إلى إن وصل مرحلة العصيان فأصبح يضرب بكل قوته جدار المنزل وصغار يصرخون حتى تبحح صوتهم ..ماذا عساها أن تفعل ؟ وقد رأت كل شيء من حولها قد تمادى واستفحل إلى إين الهروب ؟ وإلى من الهروب؟ إلى ربنا المعبود ساجدة وقلبها يذوب ...أمي هل سنموت؟ وكأن اشارات الموت قد همست في أذن هذا الصبي المفزوع ...احتضنت صغارها واعتصرتهم إلى قلبها ثم قالت : لا ياصغاري بل سيأتي الفرج قريبا ....أمي لماذا تأخر أبي ؟؟ نظرت إلى اطفالها نظرة مرة اخرى وكأنها تحتفظ بملامح وجوههم لأخر مرة ثم اردفت قائله : هو في الطريق إلينا ومعه كثير من الطعام ....كثرت تساؤلات ابناءها وهي تحاول أن تسكن الطمأنينة في قلوبهم فتجيبهم بما لاعلم لها به واصبحت هي تسأل نفسها بدل عن صغارها ...وهل سنموت حقا ؟ وإين هو زوجي ياترى هل هو من الأحياء ام من الأموات .....؟؟؟؟

في صباح اليوم التالي:

لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون ...صرخات ونواح يملىء المكان ازدحام يسد الطرقات ...اختلاط اصوات الناس بنواح بعضهن ..... هناك من يجرجر ازياله في الجانب الاخر ويحدق بإندهاش امام ذاك الحشد وضربات قلبه تتسارع لتقتحم جمع الناس ناطقا بلسان يثقل في الفم متعثر متلعثم يغلبه الخوف ....م م ماذا يحدث ؟ماذا يحدث امام منزلي ؟؟ 

وقفة :

هذا هو الأب المفقود ليلة البارحة يظهر أمام اعين الناس حافي القدمين ملابسة يظهر عليها اثر الفقر والعناء الشديد شاحب الوجه نحيل البدن كان قد اعتقل بسبب لا سبب له لأن المحتل حين يريد شيء لا احد يسأله ولا قانون يعاقبه، يضع القوانين بنفسه ويخالفها اذا شاء....
استطاع الهرب مع مجموعة من الرجال اثناء ترحيلهم إلى السجن لأن قدره اراد له أن يرى عائلته طريحة الموت و الله اراد لعائلته الجنة .....
إلى متى سنظل نسمع تلك الصرخات وتلك الأهات إلى متى سنظل نرى جريان بحيرات الدماء تجري على ممرات العروبة إلى متى سنظل نبكي على قطع اشلاء الاطفال تتناثر هنا وهناك ....العالم كله في سبات والكون كله في خراب مستمر ...فصبرا صبرا تذوب ببحره كل الصعاب ...







Share To: