مع الشاعر والناقد ألدعمي يأخذنا الحديث إلى منحى وآفاق ذات نكهة خاصة تتيح لنا أن نرى عالما حميما من التكوينات والبناءات الإبداعية في الشعر والنقد وهما حالتان مترادفتان لدى شاعرنا من أجل الوصول إلى صيغة معاصرة في فهم النشاط الإبداعي للمخيلة الشعرية والنقدية, خاصة في مجال الشعر ونقده لأنه يحتل دائما الموقع المركزي في حضارة الإنسان الثقافية والأدبية والكشكول في تفسير المنجد (
هو وعاء المتسول الذي يجمع فيه رزقه وهي كلمة آرامية ),,, وبه سمي كتاب (الكشكول) لبهاء الدين العاملي لأنه جمع فيه أشياء كثيرة مختلفة المواضيع ،وألدعمي من الذين يستحقون الكتابة عنهم ومتعة الكتابة معه متعة معاناتها... والتلاحم مع روحها ذات مساحة فضائية واسعة لأنه يمتلك خيالا وحسا وطنيا انساق مع طقوس القصيدة واقتنع وآمن بها واندفع معها إلى التجديد والتنوع، والشعر مزروع في كيانه وهذا الكشكول تتناسل صوره الشعرية إلى العديد من الصور والمشاهد في الحب والجمال والكمال والحزن والألم والصمت الرهيب .
وان تراكماتها انطلقت من صور معينة يبدأ بها متن القصيدة لتناول موضوعات جديدة حديثة تتميز بالإثارة والغرابة والتشويق لخيال خصب يعينه على ذلك مدعوم بالثروة اللغوية الوافرة ..وهو دلالة من دلالات نفس متسمة بالخصوبة نفس لا تقف عند حد معين من العطاء والتجديد ونقول هناك عدة أسباب تجعل من الشاعر (عماد ) جديرا بالدراسة والاهتمام وذلك لأساليبه المبتكرة ونزعته في تحديد القوالب الشعرية والنقدية... وكتاباته تتسم بالتجريد تارة وبالسريالية والرومانسية تارة أخرى مما يترك المجال واسعا أمام ناقديه للبحث في معطيات هذا اللون(الكشكول) الذي دأب على كتابته منذ فترة ليست بالقصيرة نسبيا بالإضافة إلى خياله الخصب الذي أعطى له كل جهد منه.
لقد تحصن ألدعمي تماما بقدرته اللغوية ومفرداتها ودلالاتها
بالإضافة إلى النباهة الداخلية في الشعر والنقد وصياغة العلاقة بين الشعر والحياة متحدثا بواسطتها في كشكوله الأخير، والشعر عنده ليس محض عاطفة بل انه يتطلب الكثير من المواهب الفكرية مثل الذاكرة الجيدة الموفقة والإحساس بالتناسق والقدرة على التفكير المنطقي والقدرة على الربط الدقيق في التغيير الشكلي للقصيدة وأثرها على الشعر العربي فهو شاعر وناقد اخلص لتجربته وقوة عمقه والتصاقه بالشعر والنقد والثقافة لفترة لا بأس بها كونه مثقفا يمتلك معظم المقومات والمفردات اللغوية في بناء الصورة الحقيقية (العارية ) في إطار المألوف من هياكل الشعر والنقد .
اصدر العديد من المؤلفات النقدية ليتلقفها المتلقون وعاشقو الكلمة الصادقة وقد انساق إلى طقوس مشاعره الأدبية واقتنع بها واندفع معها إلى المجادلة والعصيان وأقام معها فضاء بهيا واسعا من الحرية والتمرد والإصرار على القوانين الوضعية ويرى في الأديان السماوية (الدين لله والوطن للجميع ) . واستمر في الإخلاص للقصيدة وبنائها التكويني ، فقد اصدر في مسيرته أدبية ( العديد من الإصدارات الشعرية (معظمها قصائد سياسية وطنية معاصرة للوضع الراهن المكتظ بالوجع الإنساني تحمل هموم الوطن ومعاناته اليومية وأصبحت هذه المعاناة شغله الشاغل لأنه تربى وترعرع في كنف هذا الوطن المثقل بالجراحات النازفة مع أناسه بعد أن دُمر أمامه كل شيء .
هذا الوطن الذي ابتلي بالوجع الإنساني القاتل، وكشكوله هذا لا يقف كأحداث وسط تجارب حياة خاصة بل معايشة الألم بكل تفاصيله ابتداء من شباط الأسود مارا بنكسة حزيران وتتوالى المآسي وتستمر المسرحية وأحداثها المفبركة سلفا..عبر متاريس وحواجز الأخوة الأعداء ) هذا ما تضمنه منجزه الأخير كشكول ) فهو يجد المتعة في الكتابة الشعرية وأكثر استمتاعا بنقده وما يقع بمتناول يديه ويجد فيه حصيلة كيانه ووجوده بشكل يحافظ على مكانة ورصانة كتاباته المتنوعة في هذا المجال من الشعر والنقد والمقالة (وان الصورة عنده تأتي تكوينا من عناصر اللغة ذاتها ) فهي ليست بنية لفظية وإنما هي معنى ودلالة تدرك صيغها الكلية في ما يتأسس بها من معنى فهو تارة ما يفتح للشعر بابا للحس والعين وبابا أخرى للنقد والتقييم والتقويم إنها ممازجة أو مزاوجة بين الحسي والمرئي، وبين إدراك الشيء، لذلك نجد رؤياه وتأملاته تفرض إيقاعا وصيغا تتجاوزان الكثير من العلاقات الشعرية المألوفة ..وهذا ما يجعل لنتاجه تأثيرا وحضورا فاعلا .
إن هذا الكشكول الذي صدر له عن مؤسسة ثائر العصامي من إصداراته المتتالية في الأدب الشعر والنقد يقع في (212) صفحة من ضمنها الفهرس ومن القطع المتوسط وبمقدمة وصفية جميلة غنية المعنى مع اضاءات تنويرية أُنصفت الأديب عماد قدّمها القاص والروائي المبدع إبراهيم سبتي .
المجموعة عبارة عن مجموعة مرايا عاكسة تعكس ما يدور حول محيط الشاعر أو بالأحرى محيطه العراقي القائم على المعاناة اعتمدت المعاينة والتأمل العميق في أشكال الهيمنة وصيغها
وتنوع مبرراتها حيث يرى بمنظاره الثاقب أن الشعوب المتخلفة
تساهم أيضا في تخلفها وهي نفسها من ابتليت بهذا التخلف وهو على يقين في شهادة الذات على الآخر إذ يجد الوقت قد حان لأن يكف الإنسان الواعي عن التشكي والأنين وأخذ الموقف الرصين (وهو كما يقول سارتر إن التزام المفكر هو أن يحكي ما يحس به) أو ما يدور في خلده وان الحقيقة تفرض نفسها .
الشيء الكبير منه سيكون الغد مصنوعا ..فكتور هيجو))
وكشكوله عبارة عن خطوط بيانية (صعود ونزول) )
ففي القسم الأول من المؤلف مجموعة من المقالات النقدية الهادفة للواقع المر وقصص قصيرة جدا لا تنحرف عن الهدف العام الذي يبحث عنه وهناك مجموعة عن التساؤلات الواقعية المشروعة ضمنا يحاكي بها عقول الشباب الواعي ويجد فيهم الركيزة الأساسية في تطور المجتمعات وعقول عامة البشر لاستدراجهم نحو طريق الصواب والمغامرة لآن الطريق مهما تكن وعورته فهو مازال مفتوحا أمام سالكيه فتارة يحلق بنا عاليا وسط فضاءات حلم الحياة في سماء النضال وهو يمتطي بساط الريح لتحقيق أهداف أخرى قد تكون سامية سمو وسيلتها لآن الوسيلة تبرر الغاية ..ومهما كانت الوسيلة شريفة كانت أهدافها وغاياتها شريفة ونزيهة ..هذه معظم رؤاه التي يطالعنا بها في هذا الكشكول الذي يقطر عذوبة وتشويق وإثارة وتارة أخرى يأخذنا ببساطة المحلق يبحث عن السعادة التي افتقدناها منذ عقود زمن القضاء على الجمهورية الفتية وانجازاتها الشاخصة الكثيرة والكبيرة والتي لا تزال شامخة إلى يومنا هذا نتيجة الحروب العبثية وغطرسة الحكام المستبدين وجنون العظمة التي قادت عشاقها إلى تدمير كل شيء في بلادي ورغم ذلك هم يهتفون بكل وقاحة وجنون وهوس (يا محلى النصر بعون الله) رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن النصر المزعوم هو انكسار للهيبة ومزيف بامتياز ... ومرة أخري يطرح علينا وابلا من الأسئلة وكلمات في دفتر وطن ممزق حد النخاع يعرف أجوبتها سلفا مقدما ولكنه ارتأى أن يشرك أكثر من غيرة من اجل إيجاد الحلول الناجعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من الهدم والدمار في كل شيء من حضارة وإشراق للأجيال اللاحقة وفي حقل آخر يتضامن مع أبناء جلدته في صراعهم المرير والقاسي حول الوباء اللعين الذي أكل ما أكل من خيرة أبناء شعبنا..شباب وعلماء وأساتذة وأطباء أكفاء في عملهم لخدمة شعبهم المجروح بلا ذنب ، والحكام الفاسدون الخونة لا يحركون ساكنا ...بالإضافة إلى مسلسل الدماء والأيام الدامية التي تطال أرواح الشباب الذين لا يطلبون سوى رغيف خبز والعيش بكرامة في وطن آمن يلفهم بخيمته العراقية لاغير وهو يرسم خارطة للدروب التي وطأتها الرجال الأشداء هنا خوذة وهناك أشلاء متناثرة وهناك دماء تسيل لا تزال ندية حمراء قانية تحتل مساحة واسعة من ساحة الطيران تدل على أن هنا كان فقراء الله وأحبابه وهم يفترشون الأرض للحصول على لقمة شريفة لإطعام أفواه جياع ينتظرون عودتهم بمضض مساء كل يوم . عبرت النصوص التي يحويها هذا الكشكول عن حالات عديدة أنواع القهر والظلم والاضطهاد معظمها سياسية تتناول وموضوعات تتناول الوضع الغامض كما أن هذا الكشكول يضم نصوصا مكتوبة بصيغة الشعر الحر والقصة القصيرة وهي من المحاولات القليلة له فقد كان يكتفي بمتعة الكتابة الشعرية التي ظهرت في الأدب وفي السلوك الإنساني والذي يرتكز تفكيره لرسالة إنسانية يؤديها من خلال أهداف كبيرة جدا هي أهداف شعبه المنهار ووطنه المحتل من شتى أنواع الاحتلال الذي منيَ بويلات كثيرة وصراع محتدم يتألم لآلمها ويحزن لحزنها ويعمل بكل ما بوسعه لإزالة هذا الحزن وأسبابه بالرغم من انه يعرف تلك الأسباب لكل المشاكل التي تعصف ببلده ولكن ما باليد حيلة انه مؤلَف شامل بمواضيعه القزحية الملونة يضاف إلى إصداراته العديدة جدير بالقراءة والمطالعة ..وألدعمي بمسيرته الأدبية وكونه تربوي يعتبر التربية والتعليم أساس تطور المجتمعات إذا ما أرادت أن تبني أوطانها بشكل علمي يجاري الشعوب في عملية البناء والتقدم والتطور وهو حسب منظورنا له سيبقى مستمرا بالبحث والدراسة والاكتشاف والغوص بعيدا ما دام له قلب نابض
ودم نقي وخيال وسيظل يحاول ويجرب ويعيد المحاولة تلو الأخرى مرات ومرات
إلى أن ينتهي به المطاف إلى اللاعودة .
Post A Comment: