"ما لا أفهمه كيف تموت الطيور، أقول هذا وأنا أمكث خلف باب مؤصد بظلمة الأفكار، ووحشة القلب، بقلة الغفران، بذكرى لا نبوح بها،  لعلك ستتعجب من كلماتي، فكيف يموت من اختار الحرية سبيلًا له، أعتقد أنهم لم يخبروا تلك العصافير أن ثمن طيرانها سيكون الدماء، وثمن تغريدها سيكون السكون، لا نختلف كثيرًا عن العصافير، فثمن حريتي كانت السجن، أخبرك بذلك وأنا قابع في هذه الغرفة المظلمة-مظلمة بأفكاري ليس إلا- لا أستطيع أن أمنحك شعورًا أفضل من المواساة، فأنا أجيد ذلك جيدًا، بعد عدة صدمات أستطعت أن أكون حكيمًا، اذكر هذا اليوم حين بدأت تلك الأفكار تكبل حريتي وكان لدي أمل طفيف، أن يهرول صديقي لينقذني، ولكنه ظل يحدق في تلك السلاسل التي صارت تخنقني، وظللت أنا بعين مختنقة، وروح بلغت الحلقوم، أحدق في كل هذه السنوات.. سنوات الصداقة التي أقسمنا علي دوامها، وها هو يحنث القسم ويغلق خلفه باب الحجرة المظلمة، 
أعرف جيدًا كيف يمكن أن يموت المرء حسرةً، أعرف جيدًا مرارة الخذلان، أعرف معني أن يعيش المرء عدة أعوامٍ في اليوم الواحد، أعي جيدًا كل شيء، ورغم أني صرت حكيمًا اليوم في كل هذه الأشياء التي سلبتني الشعور بالأمان، إلا أنني مازلت عاجزًا عن الاستيعاب.. أنه كان صديقي الوحيد، 
قبل عشرين عامًا.. كان لدي هذا الأمل اللطيف، الذي يجعلك تطير فوق سبع سموات، ولكنه الآن ذكري.. كلما أصابني الحنين أنهالت علي ذكريات الفشل مصحوبة بألم يخترق قلبك أشبه بالسكين، ولكن السكين لا تصف شعور مظلومٍ.. الآن أنا الخاسر الوحيد في هذه الحرب، كيف يمكنني أن أصف شعورًا أخرس ولكن صدقني كل ما في هذة النظرة سيبوح به، كل هذا الفزع ليًلا سيتحدث نيابة عني، كل هذا الأرق خير لسان، جاء إلي اليوم- صديقي- بوجه احبه وبقلب بارد أعرفه جيدًا، يسألني كيف الحال؟ أتعلم أيها العصفور أن هذا السؤال جعلني ضعيفًا، عشرون عامًا قد مرت .. وأنا ما زلت أتذكر كل شيء وكأنه البارحة، وعصفوري الذي يلوح في الأرجاء قد أبيضتا عيناه، حتي حين ظننت أنه يغرد حولي، كان يموت مرميًا بأفكاري، يا صديقي أبعد يداك ما عادت يداك تؤتمن، وما عادت أيدي العالمين تعنيني، أريد أن اكون طيرا مهجورا، فضلًا علي كوني طائرا خاسرًا ..ما زال يبكِ دون فائدة، وأما حكمتي فلن تنفعني، كما لن ينفعني الفرار من أفكاري، فأنا أعرف جيدًا كيف يموت الإنسان حيًا كل يوم، كيف يثق مرة واحدة، كيف يموت صغيرًا، وتطفو روحه المهمشة ..المهشمة، في سكون قاتم، ليتني.. ليتني كنّت أعمى القلب، الآن أفهم كيف يمكن أن تموت الطيور.." 
دينا م.







Share To: