ليست الثقافة حشو الدماغ بالأرقام والتواريخ والأسماء...بل هي جودة الأحكام التي تفرض نفسها بالدلائل...هي عادة الشك المنهجي (على طريقة ديكارت)، هي التمييز الغير منحاز إلا للمنطق  وتواضع الرأي والسلوك مع قناعة تعترف أن لا أحد يمتلك الحقيقة كاملة وإنما الجميع يتشاركها ، كلّ بوجهة نظر جزئية مع رفض التعصّب ورفض تأليه الأفراد والعقائد....
فإذا قبلنا هذا المنطق سنرى كم "الجهل" الذي يتفشى بين الأفراد و المؤسسات، قد يكون تفشيا مقصودا من جهات لها مآربها خصوصا في السيطرة على العقول. كما سنستنتج كم المغالطات التي اعتمدناها في تربية أطفالنا لأن تغيير المجتمعات تبدأ بتغيير تربية الطفل. وخصوصا في المرحلة الأساسية من عمره ومن دراسته. وأعتقد أن القاعدة الأساسية هي في تحفيز وعي الطفل بأنه كائن موجود أولا على سطح كوكب الأرض وهو المسؤول عن إدارة مواردها فيما بعد وإن الإهمال في هذه المسؤولية من قبل الأفراد ذو عاقبة كارثية.. نستطيع ان نوضح له ذلك في الكثير مما وصلت بيئتنا اليه. كما إنه كائن ينتمي الى مجموعة ولكنها ليست كل الكون ولا تختزل كل المجموعات الأخرى التي يجب أن يتعايش معها  بعدل  ومساواة وأن من سبقونا تقاتلوا حتى الموت والدمار بسبب التعصب والجشع وتهميش الآخرين وأن التاريخ غير صادق...تسرده كل مجموعة بحسب ميولها وأهوائها وكبريائها..نعلمه ان الانتماء للأجداد جميل ويدين لهم بالاحترام عندما يستحقون ذلك  ولكن دون تأليههم وينطبق ذلك على المعاصرين أيضا. علينا ان نعرّفه على الأشياء والحيوانات بأسمائها وفوائد وجودها في الطبيعة دون أحكام. نمنع عنه كل مشاهد العنف والحروب والدمار حتى لا يألفها ولكن يجب أن يرى المتألمين والمرضى ونهيئئه لفكرة أن المساعدة واجب طبيعي دون تكلّف و أن الموت حالة طبيعية وليست عقابا .ننثر حوله الجمال..نعلمه ان يكتشفه بنفسه..وأن ينتجه على طريقته. نعطيه فكرة عن الديانات المختلفة في سن لاحق بقليل دون أي تعصب إلا لفكرة أن الله محبة وأننا خليقته التي يحب وأن المساس بكرامة وحرية وأملاك الآخرين هو ما ينفي عنا صفة المواطنة في هذا الكوكب لا بل إنها الجائحة الوحيدة التي تدمر الحياة عليه وأن علاجها هو العمل الدؤوب المنتج بعيدا عن الكسل والاتكال عن إرث أو غنيمة....طبعا هذه الأفكار النبيلة نادى بمعظمها ،وكل بطريقته، كبار العلماء والكتّاب والمفكرين وما زالوا ينادون بها..وعلى علماء المناهج والطفولة صياغتها عمليا وتثقيف الأهل والمربين لتمكينهم من دورهم الجديد....
نأمل أن يعلو الصوت...
 







Share To: