مِن خرابة مهجورة مليئة بالخفافيش الليلية وخيوط العناكب وبُراز الوحوش خرجَ شاهراً سيف نتانته وسواد قلبه المُلطخ بالعنجهية والسفالة والقذارة وكل شيءٍ قبيحٍ دون أن يضع قطعة زجاجية أمامه لكي يرى ويؤمن كم أنه يبدو حقيراً وكم أن النار تشتعل من جوار الحدقات حتى من ثقبي أنفه الأخرق وفمهِ المخلوق من بقايا الرماد،

نعم .!

كان ينام في الخرابةِ تلكر، يقضي جل أوقاته متجولاً بين وفي خيوطِ الظلام والعُتمة، العُتمة المُقتبسة من جبينه وفؤاده ، أوهم ذاته بأن هُناك اُنثى تُدعى جميلة ، المجوهرات تزين جبينها كما تتزين السماء بقناديل الليل ، اُنثى قلبها أخضرٌ كجنة ، أوهموه فَهشَ بعصاهِ على قطيعه المساكين ، دَججهم بالموت ولطخ أكتافهم بِقطع الحديد السافلة ، فَرمت دماغهم جيداً حتى باتوا قطيعاً بِرتبِ مُجرمين .

رَسم لهم مُخططاً قبيحاً ثم ظل حيث وجوار الخفافيش هُناك في تلك الخرابة اللعينة ، ومن هُناك حَرك حيواناته بِكلِ اتقان وقُبحٍ ، كانوا يعبرون الطرقات ويصدحون باسمه الملعون بل ويقدسونه كما يُقدِسُ الراهب ورجلِ الدين الإله ، نصبوه إلهاً أخراً والعياذ بالله من أولئك الخنازير ومصاصي الدماء وسارقي الخُبز من أفواه الفُقراء والجوعى، مَشطوا المنازل وكل دار وهدموا كل طريق وفرشوا كثيرٍ من الأسلاك المُتفجرة، رويداً رويدا واصل القطيع عبوره نحو الاُنثى المزيونة تلك حتى استقر جوار بيتها ، وبدون ضميرٍ تسلل القطيع نحو عرشها مع إطلاقهم للموت من كل فوهة والضجيج المُقزز يُصدح من مُكبرات كل فَمٍ أخرق ، ومن هُناك الراعي يرقصُ طرباً ويتمايل قُبحا وبلا خجل.

كم أنها مسكينة تلك الاُنثى الجميلة ، أعرفها أكثر مما أعرفني ، ما زلتُ أتذكرُ كلِ دمعة وكل آنة وصرخة ، حين وقعت مصيدة في شباك الصياد سمعتُ صراخها المدوي حتى كادت اُذني تنفجر من هول الكارثة ، أولادها كذلك شاركوها النواح بل أن بعضهم غادروا من جوارها إلى حيث اللا عودة والبعض نُفي بعيداً وثلة لم تحسن تربيتهم جيداً فخانوها وغرسوا مشارطهم في ظهرها وبالسكاكين قطعوا جَسدها وبرغم كل ما تلقته من عذابات إلا أنها ما زالت على قيدِ الحياة ، قلبها ينتظر النور وانتشالها من السجن وإني أرى النور بات قريباً.

قريباً ستعود جميلة كما كانت ، ستعود رغم أنف الراعي والقطيع السفلة ، لن تشفع لهم أكتافهم الفولاذية وقراميدهم الحديدية وكِورهم المُتفجرة وأسلاكهم المُشبعة بالموت والبارود والنار واللهب،  سيندثرون ، سيندثرون يا جميلة ، ثقي جيداً بهذا ، ستنتصرين وستتزين السماء بالمُفرقعات ، ستصدح الزوايا بالموسيقى النقية ، تلك التي اختفت فحل مكانها أصوات نشازية تؤدي إلى التقيؤ ، ستغتسلين وستتطهرين من كل خطيئة  وستردينَ فُستانكِ الأخضري المُقتبس من الجنة وسيعود القُبح إلى مكانه الطبيعي ، هُناك في الخرابةِ المهجورة ؛ تلك الخرابة من تشبه الكهف. 





Share To: