قراءاتٌ فِي ملامحِ وجْهٍ شاحِبٍ للشّاعر " بوجمعة الكريك"
........................................................................

قُبَيْلَ مُعَانقةِ النّصُوصِ وتعرُّف مُحْتواها، تستوقفنا الْعتبات/
الْعنوان : (( قراءات في ملامح وجهٍ شاحبٍ)).

يُعلن الشّاعر " بوجمعة الكريك" عن تعَدُّدِ الْقراءاتِ في الْمقروءِ" ملامح وجهٍ" وسَمَهُ بالشّاحبِ..فَهُو يُؤَشِّرُ على موضوع الْقِراءة؛ والْكامن أساسًا في الْوَجه باعتباره أول مايُمكن أن يُقرأ في الْكائن الْبشَري ..فهو مرآة غالبا ما تعكسُ نوازع الذّات وخَلجاتِ النُّفُوسِ .. إنّهُ عتبةٌ أولى  لتعَرُّفِ الشّخصيةِ وأبعادِها وانْفعالاتِها السِّيكولوجية والنّفسية الْعديدةِ: ( الْفرح ،الْحزن،الْغضب،الألَمُ و الأنين... الخ).
أجدني في الْبدء أتَسَاءلُ لم القراءات ..أليست قراءة واحدة كافيّة لاستنطاق ملامحِ الْوجْه الشّاحبِ،أم أن الشُّحوب في هذا الْوجه عمِيقٌ ومتوغلٌ يحتاج لأكثر من قراءة ..؟!.
سَتُجيبُ دُونمَا تثْريبٍ نصوص الْمجموعة الشِّعريةِ عن فَحْوى  الْعنوان.
لذلك قررت الْيوم أن تكون الرّحلةُ الشّعريةُ مع شاعرٍ هادئٍ  ..فتعالوا نقتربُ من عوالمهِ الشّعريةِ ونشاركهُ هاته الْقراءات من خلال بعض نصوص الْمجموعة.

"الْوجْهُ الأول"
عسيرٌ يومك
وقد أخذ منك التعب ما أخذ
اشتهيت  الحرير يداعب بدنك
أنت الذي تشمّع جلدك من قهر
الْحصير
يرسمُ ملامح وجْهٍ مُنهكٍ يعاني  من الْفقرِ والْبُؤْسِ،بيْدَ أنهُ غني النّفس عزيزُها لايتَسَوّلُ الْكرامة..لايرغبُ إلاّ في رغيفٍ من شعيرٍ،مؤمنٌ رغمَ الْفاقةِ والسّغب.

ملْمحٌ قد يتكرّرُ في واقعنا، رسمهُ الشّاعرُ بحرُوفِهِ فبدتْ اللّوحةُ الْمنحوتةُ بالْكلماتِ كأنها  واقعا وحقيقة.

يعرجُ بنا الشَّاعرُ للصفحة ٢٦ من الْمجموعة الشعريةِ ليُعرّي ملامحَ الْموتِ التي ارْتسمتْ على وجُوهٍ  رغم كونها تُصنفُ في دائرة الأحياءِ إلاّ أنها ميتة ..فاقدة لشروط الْحياةِ والانْوِجادِ.
هي تضاريسٌ مُتعبةٌ تكشِفُ عن مرارةِ ومعاناة فئةٍ اجتِماعيةٍ تعيشُ أوضاعًا مزريةً : ( الْحرمان والتّهميشُ والْبُؤسُ ..).
هو ملمحٌ ثالثٌ وقراءة ونبشٌ في الْوجه الثالث الذي اختار  له عنوانا فرعيا: " انتشاء بالْموتِ".

وانتقالاً إلى نص آخرَ موسوم ب: " خلوة" ص.١٠٣و ١٠٤ من الْمجموعة نلمسُ كيمياءات مغايرةٍ، فالحرف الشعْريُّ انكتبَ بلغةِ الْعشقِ والْهيامِ.

يقول الشاعر " بوجمعة الكريك": 
أنا لي الارتقاء إليك
وأنت في الأعلون تسبحين!
أنت إماراتي الْحبلى
بشتى ألوان الْفؤاد
...

أنت ملهمتي أمدا
والشعر جلادي أبدا
والحب بينهما جرعة سم 
ليلى،عبلة وبثينة
قاتلات،بيئات 
غير مذنبات
أمْسيْن خالدات

فهو الْمسكون بحبها حتى ماعادَ يبصرُ ليلاً سواها؛ إذْ يستنيرُ من نُورها فيختفي الدّيجُور.
وهو الْمُكتوي بنيرانِ الارتباط بالأرض ومسقط الرأس،إذْ مايفتأُ يتحسّرُ على مدينته.هويته.

تحضرُ" جَرادة*" بألوان الشَّجنِ والْموتِ الزّؤام في هذا الدِّيوان من خلال نص: "  مدينتي ..هويتي.. " في الصفحة ١٠٠ حيث يتضحُ للْمُتلقي الْوشِيجة الْوطيدةُ التي تربطه بالرّومبلي*.
يقول :

نحنُ أبناء الرومبلي
نذوب في حب الْمدينة

وهذا الانصهار يوحي بالتّماهي وبحبِّ الشاعر لمدينته،
تنهضُ اللغة المجازية الاستعارية ها هُنا لتُؤشِّرَ على عمق الارتباطِ الْوِجدانِي بين الشّاعر ومدينته رغم كونها صارتْ حُطامًا.

...
حملتنا وهنا في أحيائها
أرضعتنا حليبَ الصُّمود..
هو حارسها النّبيل من طُوفانِ النّسيانِ.

لا تسألوني هل سأعودُ؟.
حتما سأعود..
لحضن هياكل الْمدينة الصّدئة
أضمد الْجراح بنسائم الشيح
الْملقم بغُبار الْهوية.

وفي ص ١٠١ يعمل الشّاعر إلى توصيفِ الْموت الذي عصفَ بأبناء مدينته ومصيرهم.
أرجوكم لا تسألوني عن الْمصير
الدين منه مذلة
الصّاد صدمة وصِراع
ياء يتم ويأْسٌ
أما الرّاء فلا يعْني إلاّ الرّحيل ..نبرات الْحزن تعشقها الْحروف..تنتهي بالْموتِ والرَّحيلِ.

===استنتاجات ===

المجموعة الشعرية " قراءات في  ملامح وجه شاحبٍ " للشاعر المغربي " بوجمعة الكريك" لا تعدو أن تكون سوى  أنفاسهُ،بوحُهُ ونزيفه وحسرته وعشقه واعترافاته سكبها  على الْبياضِ لنستنطقها ونحاول تعرف ملامح هذا الْوجه الشّاحب ..الذي هو في الْحقيقةٍ وجوهٌ شاحبةٌ.

أختم بهذا النّص الذي يؤثث خلفية الغلاف.

قلبي راحة استراحة لك 
إنْ طالَ بك السّفر
يضخ لك من الدم عصير
رمان...
ومن مقل العيون
ماءا ولا لا 
اغمضي عينيك
وأستمتعي بفناجين بن
جنيتها لك من حقول الْكبد
استلقي فوق  عشب باحتي 
لا تخجلي من اللعب
ارتدي إلى زمن طفولة 
بريئة
واصنعي لنفسك 
من قصبات صدري
دمى والعتاب
عشقي لك نافورة 
تتوسط فناء دنياك
كلما شربت منها والدتك
من الظّمإ نزرا قليلا!
خذي نفسا من نفسي
وبوقا لتصرخي
براحة قلبي 
هنا بياتي 
هنا استريح إلى حين
مماتي!!.






Share To: