قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء

وقع المسجد الأقصى بيد الصهاينة، ومنذ ذلك الوقت وهو يتعرَّض لاعتداءات؛ فقد أُحرق عام 1969مِن قِبَل الصَّهاينة، وهبَّ أهلُه المحيطون به لنَجْدته، وتوالت الاعتداءات بعد ذلك مرَّاتٍ ومرات، حتى أصبَح في خطر من الأسفل بالحفريات وبناء الأنفاق؛ بحثًا عن هيكلهم المزعوم، ومن الأعلى بدخول الحاخامات إليه وتَدنيس أرضه الشريفة، وتسكُّع المُستوطِنين في باحاته لأداء صلواتهم في حماية من جنودهم، واستفزازهم لمشاعر المصلِّين والمسلمين في كل مكان، وصولاً إلى إغلاق أبوابه أمام المصلِّين الشباب، في إطار التخطيط لتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، كما قامُوا بالتَّضييق على القائمين على المصاطب العلمية بالإضافة إلى الاعتداء على النساء والشيوخ والشباب والأطفال، على مرأى من العالم.

لم يقفْ أهل بيت المقدس وما حوله مكتوفي الأيدي حيال ما يَجري لأقصاهم، بل عبَّروا عن غضبهم بانتفاضة طيِّبة مباركة، كيف لا يغضبون، وهو (الأقصى) نواة الوطن؟

وما المدن وأهلها المرابطون إلا كالمدارات التي تعمل على حمايته والذَّود عنه، بدءًا من الشيوخ والرجال الذين وقفوا بصلابة أمام المحتلِّ الغاصب دفاعًا عن الأعراض والمقدسات، مرورًا بالنسوة اللائي أعدْنَ سيرة الصَّحابية نسيبة بنت كعب المازنيَّة أُمِّ عمارة التي قال عنها رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ أحُد : 

ما التفتُّ يَمينًا ولا شمالاً إلَّا وأنا أراها تقاتلُ دوني .

 أخرجه ابن سعد، وفي إسناده الواقدي.

 فكنَّ وما زِلْنَ يدافعنَ عن الأقصى من جميع الأبواب والجهات ، وشبابٍ اشتاقوا للجنان، تركوا كرَّاساتِهم وأعمالَهم وأسرعوا لنيل الشهادة، حالُهم كحال عمرو بن الجموح حين ألقى بتمرة بين يديه يوم بدر وأسرع لمقارعة العدو، فقاتل حتَّى قُتل ونال الشهادة، وغلمانٍ شبُّوا عن الطَّوْق مبكِّرًا، فهم لم يشهدوا في طفولتهم القصيرة إلا انتفاضة شعب، ونضالاً وصمودًا، ودفاعًا عن الحق، وقد أظهَروا براعةً تَفوقُ أعمارهم في إرهاب العدو.
 أمَّا النسوة اللائي في البيوت، فهنَّ حفيدات صفية بنت عبدالمطَّلب عمَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم مُستنفرات، ويُعدِدْنَ العدَّة لاستقبال أي زائر غير مرغوب فيه للتفتيش عن هارب، وكأنَّ لسان حال كل واحدة منهنَّ يقولُ : 

إنْ بدر منه شيء بقرتُ بطنه ولن أُبالي، مع إصرار الجميع على ممارسة حياتهم الطبيعية، وعلى رأس ذلك عمارة المسجد الأقصى بالصلاة فيه.
يتابع المسلمون في شتى أرجاء المعمورة الأحداث، وألسنتهم تلهج بالدعاء إلى الله عزَّ وجلَّ أن ينصر أهل بيت المقدس على عدوِّهم، فمن منا لا يحلم بتحرير الأقصى، وأن ينعَمَ أهله بالحرية والأمان؟
وما السبيل إلى ذلك وقد أصبحت الدنيا ولذَّاتها همَّ الكثيرين وشغلَهم الشاغل، حتى ضَعفت الهِمم، وتكالبت علينا الأمم.

ولتحقيق النصر لا بدَّ لنا من خطوات منها:

• تقوية عقيدة التوحيد في النفوس؛ فهي كالأساس لأي بناء أو مشروع، فلن تحصل العزَّة للمؤمنين والنصر على الأعداء إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

 "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلَّنا الله".

• إنَّ تحرير البلاد والعباد والمقدَّسات من أيدي الأعداء، لا بدَّ أن يَسبقه تطهير القلوب من درن المعاصي والآثام؛ فللمَعاصي شؤم على أصحابها.

• توحيد الكلمة والصُّفوف، وقتَها سيقف أهل المشرق بجانب أهل المغرب صفًّا واحدًا في مواجهة العدو المشترك.

• الإعداد الجيِّد :

قال تعالى: 
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون ﴾ [الأنفال: 60].

حينها بإذن الله ستُصبح المُدى صواريخَ بعيدة المَدى، وتصبح الحجارة قنابل فتَّاكة، وتتابع النسوة المشوار للانتقام من قتَلة الرضَّعِ والأَطفال؛ كأُمِّ عمارة التي أصرَّت على إكمال مشوار الجهاد والانتقام من مسيلمة قاتل ولدها (حبيب)، فخرجت مع المجاهدين برفقة ولدها (عبدالله) يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعادت بوسام شجاعة توشَّحت به، واحتفالاً بالنصر يجتمع المسلمون للصلاة في الأقصى ويعودُ الأَقصى منارةً للعلم والعلماء.

أقصانا من كثرة الجِراح التي أصابته وأصابت من حوله أخذ يئنُّ ويئنُّ ويئنُّ، وأنينه أوجع القلوب وأدمى العيون، ولن يوقف هذا الأنين ويضمد الجراح كي تَلتئم إلا صيحات: الله أكبر .






Share To: