لقد تجاوزتُ أشياء كثيرة هذه الفترة، كان يُصعبَ عليّ أنْ أتجاوزها منّ قبل، كان يَخُيَّل إليَّ أنْ الحياة التي أعيشُها تعتمد على هذه الأشياء الروتينية التي أعتدتُ عليها، وكنتُ دائمًا ما اضعها فيّ مُقدمة أولوياتي، كانت مُهمةً بالنسبة ليَّ أهم منّ ذراتِ الأكسجين، ومنّ صِحتي إنْ صح الأعِتراف .. لكن أستطيع القول الآن أننيّ تغيرتُ بشكل جِذري، وتجاوزتُ الكثير منّ السلبيات، وهذا ماكنتُ أود أنْ أكونه.
كنتُ سابقًا أُفرغ نفسي منّ كل أعمال يُمكن أنْ تُلهيني عن الأنغماس في شاشة الهاتف، وكانت المحادثات الألكترونية هي الأحبُ إليّ منّ أية عمل آخر، ووصل بي الحال أنني كنتُ أتلعثم حينما أتحدث مع شخصًا وجهً لوجه، لطالما أعتدتُ على المحادثة الألكترونية، كان أبي يُعنفني أحيانًا، ويقول لي أنني رجلاً فاشل فيّ الدراسة، وبأنني لا أفلح فيّ أية عمل كان ..وكان أكثر تعنيفه ليّ، حينما يرأنيّ على المائدة أتناول الطعام بيدٍ، ويدٍ أمسكٌ بها الهاتف .. تغلب عليّ حب، وهوس الهاتف، حتى ساءت بي الأيام يومًا بعد يوم وتدهورت فيها صِحتي، بدأتُ أُعاني منّ صداع فيّ مؤخرة رأسي، وكنتُ دائمًا ما أشكو منّ دموعٍ تنساب منّ عيناي على حين غفلة، وكانت تبدو حمراء كالأرجوان، وتأكد ليّ أخيرًا بأن عيني اليُمنى مريضة؛ وأكثر ما كنتُ أُعاني منه هو الأفراط فيّ المزاجية .. مما جعلني أتعامل مع منّ يعرفني بشخصية غير شخصيتي التي أعتادوا عليها، كان البعض مِنهُم يقول عنيّ مريضًا نفسي، مُضطرب، وغريب الأطوار، والبعض يقول إنني مغرورًا مُتكبرًا وهذا ما جعلني انعكف وحيدًا بعد ذلك، حتى الآن وعلاقاتي محصورة العدد، لكنني أبدو أجتماعي نوعًا ما .. فلم يكُن تعنيف أبي بدافع القسوة عليّ، كما يفعل الأباء المُتحجِرة قُلوبهم، ولكن كان تعنيفة لي شتي منّ النصيحة، وكان يقول لي بلسانه: يأبني التلفون ما يأكل عيش، روح ذاكر، وإلا شوف لك مهره بدل هذا الي خلاك لا تنام الليل ولا ترتاح بنهار، كنتُ لا أعير كلمات أبي أية اهتمام، لأن الأنغماس في الهاتف، والمحادثات الألكترونية هي ملاذي الوحيد.
أما أُميّ فكانت تحرصَ على أنْ أكون حسن الهندام، والأناقة، وكانت تهتمٌ أكثر بأكلي، وتنتظرٌ متى سينتفخ جسمي كأولئِك المصارعين، وكنتُ أنا اساعدها على هذا أيضًا، لأنني أحب أن أكون كما ترغب هي، وأكثر .
أما الآن فأنا لا أطيق الهاتف، ولا المحادثات الألكترونية، ولا العلاقات الأكترونية .. الآن أهجُر الهاتف كما يهجُر الرجل زوجته إزاء المحيض وأكثر .. وأكره المُحادثات الألكترونية والأشخاص الألكترونين كما يكرهن النِساء الموت؛ أما عن أبي فقد تغيرت نظرته لي، وأصبح يُعاملني بِعذوبةً ورقة أكثر مما كان سابقًا؛ أصبحتُ أعمل في النهار، وفي الفراغ أرتاح تاركًا الهاتف نافذ الشحن .. وأنام الليل كالأطفال ..
أما عن حرص أُميّ بِهندامي، وضخامة جسمي، فهذا ما لا أجد وقتًا له، لكثرة ما يُشغِلني ما هو أهم من هذا، ولا يُهمني الآن أنْ أسير فيّ الشارع بأسمال بالية، ممزقة، ولا يهمني أنْ يكون جِسمي هزيلاً ظاهر العظم ككلب أجرب.
Post A Comment: