أحب القهوة كثيرا ،وأتناولها بشغف شديد وبكميات كبيرة على مدار اليوم ...وذات مرة جلست على مقهى بعيد عن منطقتي نسبيا ، فطلبت قهوة سادة كعادتي فنظر نحوى مجموعة أشخاص يجلسون بجواري أما نظرتهم فكانت تملأها الدهشة من طلبي... أحيانا أبدو مستفز في بعض الأوقات أو التصرفات دون قصد مني ...لعل ذلك لصغر سنى فأنا ما زلت دون العشرين عاما...... وقبل أن يأتي القهوجي بها... دار بين أحدهم و بيني: حوارا هو من بدأه معي قائلاً :
- هل تشرب القهوة سادة ،؟
- نعم...
-منذ متى ،؟
- منذ أكثر من سبع سنوات..
- باستخفاف وتهكم ولهجة لم أستطع هضمها هل أنت متأكد من الذى تقوله .؟
-ببعض الحدة :
- نعم...
-ثم زميله المتحفز للحديث معي منذ بداية الحوار الذي فهمته منها أن لسان حاله يقول في نفسه عني من أنت حتى تتكلم هكذا وعن القهوة كأني ارتكبت خطأ في حقهم.. وكان يقصد بنظراته الحارقة أيضا التقليل بل والتحقير من شأني... هذا ما بدا واضحاً وقرأت في أعينهم أنني سأكون مادة لتسليتهم أثناء جلستهم ثم توجه إلي هذا المتحفز للحديث قائلاً :
-أعتقد أنك موهوم بذلك لأنك ما زلت صغير على شرب القهوة ..
اعتدلت حتى أصبحت فى مواجهتهم جميعا ، وأنا أرتشف رشفات متتالية بنهم شديد من كوب القهوة ....ثم بدأت في الرد عليهم والحديث معهم بحدة المتهم الذي عثر على أدلة براءته :
- أنا لست موهوم بإدماني وحبى للقهوة لقد أحببتها وهى ما زالت حبات من " بن" قبل أن أراها ولا أعرف ما هو شكلها وأنا طفل صغير: كانت تداهمني رائحتها وأنا أسير فى شوارع دمياط فعرفت بعدها أن هذه رائحة البن وأن القهوة تصنع منه .. فأتناولها من يومها وبكميات كبيرة إلى اليوم دون الوقوف على سر ذلك أو تعليل مقنع لنفسي أو لغيري لما أقوم به...وكثيرا ما نصحني الأطباء الابتعاد أو التقليل الكمية التي اتناولها ولم أفلح فى ذلك ليومنا أو أنا غير راغب في النجاح .......ثم بدا أنه انسحب على وجوههم بعد التقدير الاحترام والاهتمام وبعض الشغف المصحوب بالإنصات لحديثي ثم بعض الخجل من أنفسهم ، ولكن ليس كشغفي بتناول الكوب الثاني منها الذى أحضره القهوجي.....ثم أردفت ، حبى للقهوة جعلنى أبحث عن موطنها والذى يتفق المؤرخون أنه اليمن... ثم انتقل بعدها للحبشة عبر باب المندب ،ثم انتقلت شتلات القهوة بعدها لأمريكا اللاتينية وخاصة البرازيل ولابد أنى أثنيت على زارعيها ،وطاحنيها وصانعيها وشاربيها دون أن أشعر وأن المجد للقهوة في كل مكان في الصحاري والمدن وعلى حواف الحقول و في جلسات الأصدقاء وأثناء النقاش المثمر والجدل البيزنطي والسفسطة الفارغة،.... وأخذت أعدد وأحصي لهم أنواعها ومذاقها و ذكرت لهم أن أول من تناولها ثم واستمر وواظب على ذلك هم الصوفية وخاصة الأتراك فكانت تساعدهم على السهر والذكر لأنها منبهة ،وأن أول من صنع القهوة فى مكة المكرمة وكان ذلك فى القرن الخامس عشر أبلغوا عنه الشرطة لأنه يصنع منكرا... واعدوا ذلك بدعة تفسد المجتمع ويبدو أننى تجولت كثيرا فى تاريخ القهوة ....ثم نظرت إليهم بعد أن حولتهم جميعا لتلاميذ دون أن؛ أدرى أننى فعلت لم أكن أقصد ذلك طبعاً... فأنا كنت فى حالة دفاع عن؛ نفسى عندما بدأوا الاستخفاف بي وبالقهوة ...ثم حاسبت القهوجي وتركت المقهى تاركاً علامات الدهشة من حكايات القهوة قبل شخصي منسحبة على وجوههم.... ثم لوحت لهم بيدي ،بعد أصبحت فى الشارع ...
Post A Comment: