قال تعالى : " فإنّ مع العُسر يُسرًا . إنّ مع العُسر يسرًا " جاء في تفسير هذه الآية أنّ الله تعالى أخبر أنّ مع العُسر يوجد
اليُسر ، ثُمّ أكّد هذا الخبر ، قال ابن جرير : حدّثنا ابن الأعلى ، حدّثنا ابن ثور ، عن معمر عن الحسن قال : خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومًا مسرورًا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يغلب عُسرٌ يُسرين ، لن يغلب عُسرٌ يُسرين ، فإنّ مع العُسر يُسرًا إنّ مع العُسر يسرًا " .
والسؤال الذي يرِد ويدُور في الأذهان ؛ كيف " لن يغلب عُسرٌ يُسرين " وقد تكرّر كلٌّ من العسر واليسر مرتين ؟ وأنّى لنا أنْ نفهم هذه البشارة القرآنيّة التي بها تطمئنّ قلوبنا وتستريح نفوسنا؟
هنا يتجلّى ثراء اللغة العربيّة ورسوخ قواعدها ، وروعة وجمال بيانها ، وهذا الثراء والرسوخ هو ما هيّأها لتكون لغة وحي آخر ما أُنزل من الكتب السماويّة " القرآن الكريم " " الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " . وهاكم بيان ذلك : القاعدة عند البيانيّين أنّ اللفظ الواحد باعتبار التّنكير والتّعريف له أحوال أربعة لا خامس لها :
١ - أنْ تُعاد المعرفة معرفة ، وحينئذٍ فالمعرفة الثانية عين الأُولى ، نحو جاء الرجل فأكرمت الرجل . فيكون الرجل الثاني هو عينه / نفسه الأوّل .
٢ - أنْ تُعاد النكرة نكرة ، حينئذٍ النكرة الثانية ليست عين الأُولى ، نحو جاء رجلٌ فأكرمت رجلًا ؛ فيكون الرجل الثاني خلافًأ للأوّل . وهي قاعدة أغلبيّة
٣ - أنْ تُعاد النكرة معرفة ، وحينئذٍ تكون المعرفة عين النكرة ، نحو جاء رجلٌ فأكرمتُ الرجل ؛ فيكون الرجل الثاني هو عينه / نفسه الرجل الأوّل .
٤ - أنْ تُعاد المعرفة نكرة ، وهذه الحالة فيها خلاف ، هل تكون النكرة عين المعرفة أم لا ؟ ، نحو جاء الرجل فأكرمت رجلًا.
وبالعودة إلى الآية الكريمة نجد أنّ كلمة العُسر وهي مُعرّفة بأل أعيدت معرفة ؛ فتكون عين الأولى ؛ لذلك كان العُسرُ واحدًا . أمّا كلمة اليُسر ، وهي نكرة ، قد أُعيدت نكرة فكانت خلافًا للأُولى ؛ لذلك عُدّ يُسرين مختلفين . فسبحان الذي جعل الجمال وسرّه في لغة الضّاد ، واصطفاها لكلامه . يقول الشاعر :
إنّ الذي ملأ اللغات محاسنًا
جعل الجمال وسرّه في الضّاد
وختامًا :
فحريّ بالمسلم أنْ يحرص على تعلُّم اللغة العربية باعتبارها مفتاحًا لفهم آي الوحي كتابًا وسنّة ، يقول أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - " تعلّموا العربيّة كما تتعلّمون حفظ القرآن " .
Post A Comment: