أولاً :

من أصول دين الإسلام؛ أن كل شيء بقدر، ولا يستثنى من هذا شيء.

قال الله تعالى : 

 إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ   القمر/49.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )، كقوله: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا )، وكقوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) أي: قَدَّرَ قَدَرًا، وهدى الخلائق إليه .

 ولهذا يستدلّ بهذه الآية الكريمة أئمة السّنّة على إثبات قدر اللّه السّابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 482).

ومن ضمن هذا :

 الأخلاق الحسنة، فالله تعالى يهدي من يشاء إلى أحسنها، ويصرف من يشاء عنها .

 ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : 

 وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ .

   رواه مسلم (771).

والأخلاق الحسنة قد هبة من الله تعالى للعبد ، بلا عمل من العبد ، وقد تكون نتيجة مجاهدة من العبد لنفسه حتى يتخلق بالأخلاق الحسنة فيوفقه الله تعالى لها .

روى مسلم :

 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه ، جاء مع وفد عبد القيس :  إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ .

  زاد أبو داود قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟

 قَالَ :  بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا  ،قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ" .

قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/315) :

"فإن قلت : هل يمكن أن يقع الخلق كسبيا أو هو أمر خارج عن الكسب ؟

قلت : يمكن أن يقع كسبيا بالتخلق والتكلف، حتى يصير له سجية وملكة .

 وقد قال النبي لأشج عبد القيس رضي الله عنه : إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة . فقال : أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟

 فقال : بل جبلك الله عليهما . فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله . 

 فدل على أن من الخلق : ما هو طبيعة وجبلة ، وما هو مكتسب" انتهى .

وكما أن الله قدّر هذه الأخلاق، فإنه قدّر أسبابها؛ كما نراه في الواقع المعاش، فالله سبحانه وتعالى قدر للأسرة والمجتمع، وللشخص نفسه، دورًا في تشكّل أخلاقه، كما أن الإنسان يولد على الفطرة السليمة، ثم للمجتمع دور في الحفاظ عليها، أو في إفسادها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ  رواه البخاري (1385) ومسلم (2658).

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم للأبوين دورا في تغيير فطرة ولدهما .

لكن هذا لا يعني أن سيئ الخلق لا يتحمّل مسؤولية سوء خلقه، بل هو مأمور بالسعي في إصلاح نفسه، وعدم التقصير في اتخاذ الأسباب، ومن ذلك الحفاظ على إقامة الصلاة بخشوعها وكمالها.

قال الله تعالى: 

  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .

   العنكبوت/45.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: 

" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ " .

رواه الإمام أحمد في "المسند" (15 / 483)، وصحح إسناده محققو المسند.

لكن مجرد فعل الصلاة لا يلزم منه حسن الإخلاق إلا إذا أديت على وجهها الكامل ، ومن ذلك: كمال الخشوع فيها، فهذا هو الذي يتبعه الفلاح في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:  

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .

   المؤمنون/1 – 2.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وهي ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ).

والفحشاء: كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس.

والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر.

ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها، والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها...

 " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 632).

فإذا وجد عبدٌ يصلي لكنه غليظ القلب سيء الخلق ، مداوم على فعل السيئات ، فهذا يعني أن صلاته ليست كاملة ، وأنه لا يؤديها على الصورة التي أرادها الله تعالى .

ولكنه على كل حالٍ فيه خير ، وهو محافظته على الصلاة ، وهو خير على كل حالٍ ممن لا يصلي .

ثانيا:

انقلاب نفس الإنسان وخصالها بعد الإسلام إلى أحسن صورة ، هذا واقع ؛ وبيانه من وجوه:

الوجه الأول: أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئا، فمن أحب الخير بعد معرفته له وأراده وحرص عليه فإن الله يهديه إليه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" كما قال تعالى: ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ).






Share To: