أمام البحر الغريب

تلثّم كما هارب من التّاريخ

يصطاد الكلام الذي يشبه المراكب

تعلو ناظريه غمامة في شكل طفل متمرّد

لا يلعب في الأزقة الضيّقة كما الأقران

يرسل المرايا في عيون البحر

تلتمع الحوريات كما سحر المدن

المياه عشقه 

وتلك الأرض التي وصفها بالعجيبة

تشبه العجينة في فصول الدّرس

حين يطلب منه المعلم تشكيلا يشبه براءة الأطفال

لم تكن العجينة سوى مرامي الحلم

كان يبني الوطن بأظافر غضّة

لم تساوره الشكوك في أنّ العجينة لن تخطئ شكل الأمكنة

ينظر في يديه 

يحرّكهما كما لو كان يراقص حبيبته

ثم ينفث فيهما حرقة الأرض السّليبة

لم يمدّ عينيه صوب الأفق 

كان يبعث بقلبه وعبق الذّكرى على رؤوس الكلمات

في الأمسية الجميلة تلك

والعذارى تحلم بالسّماء كفيض من حب

مضى ينسج في عينيه مدًى للمدينة الحلم

في الليلة المقدّسة

كانت "المقدس" 

و"القدس" 

و"المقدّسة"

كان الغرباء يمسكون حلما من قداسة

ويغطسون في أوراد عتيقة

كانت الباحة تمتثل للأضواء القادمة من أبواب السّماء

وأوراق الأشجار تتحافى كما لو كانت تكشف عن لغة غامضة 

وحوريات جميلات يتهفهفن في أغطيتهن

يتمايلن كما الغزالات

يرحن ويجئن

يردّدن في المكان سورة الحب الأولى 

"القدس".. جميلة الجميلات

"القدس".. عروس البحر 

حارسة مقام الرّباط

تتناوس فيها الزّغاريد 

وأذكار الصّلاة

ومن بعيد يُدقّ في البهو ناقوس

كان البحر يحكي لعبة الموج

إذ يُخرجني الصيّاد 

هل تُراني متُّ؟

أم تُراني أتمّ لعبة الحرّية

إذ تغريني السّمكات بالحب والجري خلف تيار الماء

الماء هو الحرية حين تشتاق الأرض دفقا لعروقها

غربت الشّمس في عينيه

امتلأ المكان شفقا 

واحمرّت جوانب الشّاطئ

ولم تعد في العينين سوى زرقة وسماء ومدينة تنادي 

"غزّة"...

البحر هوية الأمكنة

الرّمال.. الصّدى النّهائي للقدوم

"القدس" تغنّي في ليلتها مقام الفرح

الأبواب الخضراء تفتح في الجدران بسمة 

رغما عنك أيها الطفل

سوف تحتفل باسمك كلون من شهادة

كروعة في حِجْرِ مدينةٍ لا تعرف سوى "الجبّارين" 

تخطّ الهوية من حَجَرٍ وشجرٍ و"قبّة" تناوش الزّمن

أيها الطفل قم على الأبواب حارسا

واشرح في غبطة الموج وشوشة التراب إذ يكشف ظمأه

واغسل عيني أمّك من خوف البعاد والجنون

الغربة ليل العاشقين حين ترقد الأوطان تحت كفّ الجبناء

من ورد البساتين 

اصنعْ شمسا وحيدة تطلّ على البيوت

تعلّق على النّوافذ نبتة صمود

واعبر في الصّامتين ضاحكا كما الطفل الذي كنته أو مازلته

فالطفولة ليست عمرا

إنّها هوية الغلبة حين يسقط الجلاد في فخ الأجساد

لا ترمي بالوطن في العيون الدامعة

الوطن دمعة من عيون

الوطن خلاصة العشق في خلوات الصّعود

حين صعد الموت على أكف الوطن

دوّت في "القدس" صيحة من غناء

عادت "الشّهادة" في ثوب عروس مضت منذ سنين

ترمي الورود إثر خطوات الرّجال

تغار على الأغاني من شفاه النّساء

وتعشّق زجاج المرايا بمواقيت العاصفة

حامت حول عينيه طيور المساء

من هناك حيث الحصار 

والضّيق الذي لم يكرهه النّاس

والأسواق التي لم يعجزها الصّبر

والأطفال الذين يولدون من صباح المدينة الغابر في البحر

"غزّة" 

جمال الأمكنة حين تسمى "مقاومة"

حين يغرّد عصفور فتنكفئ الموسيقى حيرى من الخجل

وقف الطفل ليلتها يغرّد 

يدوّي 

ينفخ

يزمجر كما العاصفة

يرسل حرائقه كالشّواظ

المدن بالمدن والشّوارع بالشّوارع والأنفس بالأنفس

أيتها المدن المحاصرَة

غنّي باسم "الثورة" والجمال الذي يميّز ميلاد الرّحيل

وعودي كما وجه البداية على فصول المخاض

"قدس" و"مقدس" و"قدّوس"

وأنا الماكث بين الجولات

انتظر الحب يتفجّر من الأجساد

أشمّ عبق الياسمين رسالة من ورد أحمر

أسمّي كلّ "أبابيلٍ" حرّية

أفرش شرفتي بالمطر

وأسدل الغيم على زرقة بليدة

أبشّر بالأرض التي تلد البرتقال 

"فلسطين"

من دربة الأيدي على الطبول

وغناء الحناجر فوق أسطح الحدود

وتوارد الحلم على صفائح "الحديد"

كانت المدينة

وكان الطفل والبحر والمركب 

وكانت في المدى "قدسٌ" قديمة

صورة لها في القلب

وفي الخطى ترسمها ألوية التراب 

تنفخ الرّيح اسمها في المسافات

على شرفتي حطّت رسالة 

أشرقت غيمة من زرقة 

وهلّ على غرفتي بحر وباحة..

 قبّة ووردة وجريدة

ومواعيد لطفولة وأحلام جديدة..







Share To: