في الخارج كانت تمطر ... تمطر بغزارة ...
في الداخل كنت جالسا على حافة السرير أنتظر استيقاظها لتعلمني الفرق بين قبلة الوداع وقبلة الجنس ..
قدمي اليسرى كانت على الأرض واليمنى كانت متدلية على حافة السرير ...
هي لم تستيقظ بعد واستغليت تلك اللحظة في النظر إلى نصف جسدها العلوي ، كان شبه عريا ، بينما كان نصفها السفلي مختفيا تحت ملاءة نوم بيضاء ...
كان جسدها بريئا ، ساكنا، مطمئنا ، وهي تتنفس ببطئ شديد .. شعرها المتمرد غطى عنقها وجزء كبير من وجهها ...
في تلك الأثناء دق منبه الصباح في هاتفها الخلوي . كل أشياء الصباح توفرت في تلك الشقة ، المطر في الخارج ، منبه الصباح ، رائحة النوم ، ظلام خفيف يسود الشقة .
كل هذه الأشياء كانت في أنتظار استيقاظ تلك السيدة ...
المنبه تضبطه على بعد ساعة من ذهابها إلى العمل ...
نهضت من مكانها ودفعت بشعرها إلى الخلف ثم بدأت في تلك التفاصيل التي تنشغل بها كل امرأة في الصباح ... مرآة ضخمة وعلى المائدة تناثر أحمر شفاه ومشط ومشابك شعر وقنينات عطر ...
حين انتهت مشت ببطئ نحو خزانة ملابسها واخترت من الألوان ما يناسبها ، ثم جاءت إلى جانب السرير ، أرتدت سروال جينز بحركة راقصة ، وحذائها بسرعة ثم رشت عطرا على صدرها وعنقها.
جلست بجانبي لكي تودعني ، أمسكت وجهي بيديها الناعمتين ، ثم ألصقت شفتيها بشفتي مطولا ، ثم قالت : هكذا تكون قبلة وداع ، حينما نذهب إلى السوق أو إلى العمل نقبل هكذا ؛ ونهضت بسرعة نازلة الدرج نحو عملها ..
هي أشياء كثيرة ستعلمني إياها مستقبلا ...
هل أنا محظوظ ؟؟؟.. رجل قادم من قفار الأطلس ، حيث جروح الجغرافية وخذلان التاريخ لم تندمل بعد
وهي ترعرعت في حي الرياض بالعاصمة ، حيث كانت الحياة بالنسبة لها لا تتجاوز أسوار الرباط ..
ولكن كيف أحاضرها في كل هذه الفوارق التي تفرقنا ..
انت تحبين لعب التنس وركوب الأمواج ، والحديث بلغة فرنسية ممزوجة بالعامية المغربية...
وأنا طيلة عشرين سنة الماضية ، كان سقف تطلعاتي أمرأة أطلسية ذات شعر أسود ، هادئة الطباع والحركة ولم تلج المدرسة ، حيث أجلس معها في كل مساء أشرب قهوة سوداء وأطالع جريدة مكتوبة بالعربية ، حيث تواجهني عناوين الأزمات . الإخفاقات في كل مكان . عدد قتلى الحروب ، مزيد من المهجرين من أوطانهم ، وفي صفحات أخرى من الجريدة هناك لقاءات لتسوية الأزمات . من يقتل من ؟؟؟ من يبحث عن التسوية ؟؟؟ أرى الضحايا بوضوح شديد . ولكن من يكون الجلاد ؟ هل يبحث الجلاد صدقا عن الحل ؟ هل يمكن للضحية والجلاد الجلوس معا في طاولة لإيجاد حل ؟؟؟. لا جواب لهذه الأسئلة في الجريدة ، عجيب إذا ..
أنا أحمل ألم جيل وهمومه بأكمله . أنا لا أفكر في هذا الألم بتاتا ، ولكن شئت أم أبيت ؛ هذا الألم يشكل حياتي وعلاقاتي وكل ما يرتبط بوجودي ، إنه يؤثر بي وبعمق
ولكن ليلة واحدة كانت كافية لكي تعلمني تلك السيدة : أن معرفة خبايا الحياة لا أحد يأخذ فيها صفة عالم ...
Post A Comment: